والدي الحبيب لا تقود السيارة
الدكتور فايز أبو حميدان
03-09-2023 11:33 AM
قيادة السيارة لكبار السن تشكل في كثير من الأحيان خطرا كبيرا على حياتهم وعلى مستخدمي الطرق الآخرين من سائقين او حتى مشاة، فقد أثبتت الدراسات أن الأشخاص في سن ما فوق 75 عاماً يعانون من ظروف صحية قد تؤثر على سلامة قيادة مركباتهم، فتقـل لديهم إمكانية التركيز والانتباه وتضعف الحواس وخاصة حاستي السمع والبصر وهذا امر طبيعي يحدث تدريجياً مع التقدم في العمر يضاف الى ذلك عوامل أخرى يمكن أن تسهم في ذلك، فمن المتعارف عليه ان كبار السن يعانون من مشاكل صحية بدنية نتيجة تراجع وظائف أعضاء اجسامهم فيتناولون عقاقير مختلفة لعلاج أمراض مزمنة تصاحب مرحلة الشيخوخة كارتفاع ضغط الدم، السكري، هشاشة العظام واضطرابات في الحركة ، ولهذه العقاقير تأثيرات جانبية سلبية تؤثر بالطبع على صحتهم وتنعكس على قدرتهم على التركيز والانتباه والمرونة الجسدية والتوازن بشكلٍ عام مما قد يؤثر على إمكانية التحكم الآمن بالسيارة.
وهناك إحصائيات أثبتت بأن معظم حوادث السير الناتجة عن إعاقة حركة السير بسبب عدم الالتزام بمسارات الطريق المحددة (المسارب) او السير باتجاه ﻤﻌﺎﻜﺱ او الانتقال من مسرب الى اخر بصورة مفاجئة أو التوقف المفاجئ دون سابق انذار عبر استخدام الغماز ودون مراعاة أولويات المرور غالبــاً يتسبب بهــا كبار السن، وفي دراسة أوروبية اخرى تبين بأن 30% من سائقي السيارات تجاوزوا سن 60 عاما ويشكلون 20% من مجموع الحوادث.
فعلى سبيل المثال والدي الحبيب يقود السيارة في سن 88 عاماً ويرفض العدول عن القيادة، ولا يمر أسبوع الا ونكتشف وجود ضربة وخدش جديد في سيارته لا يعلــم به، وفي حال كان يعلم به فإنه يبرر ذلك بأن السبب كان خطأ من سائقٍ آخر، ولكننا نكتشف فيما بعد انه هو مرتكب الخطأ ونتحمل بذلك تكاليف التصليح له وللمتضررين الآخرين.
إذاً كيف نتصرف ونتحدث مع أهالينا بموضوع حساس كهذا ؟!!
ان قيادة السيارة لكبار السن تُشعِرهم بالاستقلالية التي لها تأثير إيجابي كبير على صحتهم بل وتساعد على رفع الروح المعنوية وتحسين الحالة النفسية لديهم، فعدم اعتمادهم على الآخرين في تأمين حاجاتهم اليومية تزيل عنهم هموم ارهاق الآخرين في خدمتهم، كما ان ذهابهم إلى السوق التجاري أو قضاء طقوسهم الدينية أو زيارة الأصدقاء والأقارب يعد أمرا غاية في الأهمية بالنسبة لهــم، وهذا ما يجب أن نفهمه وندركه نحن جميعنا كأبنــاء. ولكن ماذا لو تراجع الانتباه لديهم في الشارع ولم يتم مراعاة الشواخص وأولويات المرور أو قاموا باستخدام الجوال للرد على مكالمة هاتفية تشتت انتباههم، مواقف كهذه تستغرق لحظات قليلة لكنها كفيلة بوقوع حوادث سير مرعبة قد تودي بحياتهم وحياة غيرهم، مواقف كهذه تجعلنا في حالة من الخوف عندما نكون مرافقين لهم. حديثنا هنا لا يعني بأن ابائنا وأمهاتنا هم من يتسببون دائماً بالحوادث، فالإحصائيات تشير ايضاً الى ان الشباب يتسببون بنسبة كبيرة من الحوادث ولكن من الناحية النسبية نجد بأن كبار السن الذين مازالوا يمارسون القيادة تختلف الإحصائيات، بل وتجعلنا نبحث عن حلول منطقية تراعي رغبة كبار السن في الاستقلالية وتوافق ذلك مع المخاطر على حياتهم وعلى المجتمع .
من الطبيعي أن صحة الناس تختلف من شخص إلى آخر وهناك كبار السن لهم قدرة على الانتباه والتركيز ولكنهم اقلية ولكن يجب اتخاذ إجراءات احترازية للوقاية من الحوادث، فقد استحدثت دول كثيرة رخصة قيادة لكبار السن مدتها سنتين فقط تتجدد بعد إجراء فحص طبي شامل يُظهر نقاط الضعف لدى كبار السن، كما انه الآن في ظل التطورات الحديثة اصبح من السهل تكليف شركات متخصصة في توصيل البضائع التي يحتاجها كبار السن من مواد غذائية واطعمه وأمور أخرى بسعر معقول دون الحاجة الى تنقلهم وتوفر بذلك عليهم الوقت والجهد ، كما ويوجد الآن شركات للنقل عبر التطبيقات الذكية والمرخصة توفر خدمة طلب سيارة مع سائق للتنقــل بعد تحديد الوجهة المراد الذهاب اليها وهذا بدوره جعل الأمور أكثر سهولة ويُسر بل وآمنة جدا ايضاً . كما أنه من المتوقع دخول السيارات ذاتية القيادة إلى السوق وهذا سينقلنا إلى مرحلة متقدمة جدًا من التطور المواكب لعالم السرعة الذي نعيش فيه فتصبح وبفضل التطور الرقمي سيُعفى كبار السن من تحمل مسؤولية قيادة السيارات .
المطلوب هنا هو قدرتنا على إقناع أهالنا وذوينا بإمكانية استخدام هذه الطرق بسهولة وعدم اشعارهم بأنهم في العربة الأخيرة من قطار الحياة ، بل عليهم أن يفهموا أننا بهذه الطرق نسهل عليهم حياتهم بل نزرع في داخل أنفسنا اطمئناناً عليهم .