الأردن وسوريا والجراحة السياسية المطلوبة
د.حسام العتوم
03-09-2023 09:11 AM
ثمة ضجيج إعلامي حديث يشوب العلاقات الأردنية – السورية التي بدأت دافئة إبان تولي جلالة الملك عبد الله الثاني والرئيس بشار الأسد سلطاتهما الدستورية، وبسبب تعامل سوريا الشقيقة عام 2011 مع ربيعها وسط حراك الربيع العربي بتقديم الأمن على السياسة ، وتعامل الأردن مع ربيعه بتقديم ألسياسة على الأمن إختلفت صورة العلاقات الأردنية - السورية ، و العربية – السورية كذلك و حتى الأقليمية – السورية ، و الدولية ، وماجت تفسيرات الحدث السوري الذي سرعان ما تحول من إصلاحي إلى دموي بعد إختلاف سلطة دمشق مع المعارضة السورية التي إنقسمت إلى وطنية و خارجية ، و إصطدامها مع 80 صنفا من الأرهاب قدموا إليها من الخارج وفي مقدمتها تنظيم " القاعدة – داعش " الارهابي ، و بحكم العلاقة ألسورية مع إيران إنتشرت فوق الاراضي ألسورية خلايا الميليشيات الأيرانية و عناصر " حزب الله " ومنها بمحاذات الحدود الأردنية – ألسورية ، و لم تتعافى سوريا بعد من خلايا الأرهاب و تجار ألمخدرات رغم إنتهاء ألحرب ألداخلية بعد مرور 12 عاما و أكثر ، و بقي اللاجئين السوريين خارج ألحدود السورية ، و أكثرهم تمركزوا داخل ألحدود ألأردنية شمالا و بحجم قارب ( 2 ) مليون لأجيء ، و لم يجدوا حلا حتى ألساعة لأعادتهم لوطنهم سوريا بسبب عدم مقدرة ألدولة ألسورية على تأمين ألبنية ألتحتية لهم في قراهم و مدنهم ألتي خرجوا منها قسرا ، وإلى جانب إستمرار إحتلال (إسرائيل) لهضبة الجولان العربية السورية دخلت تركيا على خط الأزمة السورية بحجة إنتشار الأرهاب في الشمال السوري لتسيطر عليه بصفة تشبه الأحتلال ، و تاريخ إقليم الأسكندرونة ليس ببعيد .
و شكل دخول أمريكا المبكر إلى وسط الأزمة ألسورية ألدموية عام 2011، ومن دون دعوة ، صورة مشوهة لمسار النظام ألسوري ، و صنع فوبيا إعلامية و سياسية و إقتصادية أعاقت الأصلاح السريع و الأستثمار في ألداخل السوري وعبر قانون " قيصر" ، و خدشت ألعلاقات ألعربية - ألسورية ، ومن بينها الأردنية – ألسورية بحكم ألجوار في ألحدود ، و رغم مطاردة أمريكا للأرهاب داخل الأراضي ألسورية إلا أنها راوغت بصدده ، و أطالت أمد ألحرب ألداخلية بشكل ملاحظ ، و لم تتمكن أمريكا لوحدها من تخليص سوريا من ترسانتها العسكرية ألكيميائية إلا بعد دخول روسيا الأتحادية إلى وسط الأزمة ألسورية عام 2015 بدعوة من نظام دمشق ، وتم مساعدة سوريا و بالتعاون مع أمريكا و عبر جلسات " جنيف " من التخلص من سلاحها الكيميائي الذي إحتج العرب و الأقليم على تواجده في ظل تصاعد الأزمة السورية الخطيرة ، وقارعت روسيا الأرهاب بجدية ملاحظة و حققت نتائجا كبيرة ، و أعلن الرئيس السوري حديثا بأنه لا يتطلع للوراء و إنما للأمام فقط ، و رحب برغبة العرب من الأقتراب من سوريا عبر الجامعة العربية ، و قمة العرب في الرياض ، وإرتياح لعلاقة سوريا مع الأردن ، و السعودية ، و الأمارات ، وكافة دول العرب .
وخطاب جلالة الملك عبد الله الثاني " في قمة العرب الأخيرة في الرياض بتاريخ 19/ مايو / 2023 بخصوص الأزمة السورية ووضع حد لنهايتها ، و الترحيب بعودة سوريا للجامعة العربية كان هاما ، ومن شأنه أن أسس لمرحلة جديدة من العلاقات بين بلدينا الشقيقين و الجارين ووسط المنطقة الشامية العربية الواقعة بين شمال ووسط أفريقيا و الجزيرة العربية ، حيث قال جلالته وقتها : " لقد حذرنا مرارا من استمرار الأزمة السورية دون حل ، فقد دفع الشعب السوري الشقيق ثمنها غاليا ، و انعكس أثارها علينا جميعا ، و نرحب اليوم بعودة سوريا إلى الجامعة العربية كخطوة مهمة نأمل أن تسهم في جهود إنهاء الأزمة . وواصل جلالته القول بأنه يؤكد على أهمية تعزيز المسار السياسي الذي انطلق من اجتماع عمان ، و بنى على المبادرة الأردنية و الجهود السعودية و العربية لإنهاء الأزمة و معالجة تداعياتها الإنسانية و الأمنية و السياسية ، لكي يعود اللاجئون الى وطنهم . " إنتهى الأقتباس " . و المعروف في المقابل هو بأن الأردن و عبر خطاب وزارة الخارجية طالب مرارا بضرورة المحافظة على وحدة التراب السوري ، و جلالة الملك عبد الله الثاني دعا لعودة اللاجئين الى وطنهم ، ولم يقل جلالته طوعا ، وهو الأمر المحتاج لتفعيل دور الجامعة العربية بهذا الخصوص عبر مخاطبة الأمم المتحدة بصفة مؤسسية رسمية، و ليس عبر مخاطبة فردية للدولة السورية فقط ، ولكي نضمن أمن حدودنا الأردنية الشمالية ، والذي هو مصلحة أمنية مشتركة مع سوريا وخط أحمر ، يتطلب الأمر رفع مستوى التمثيل الدبلوماسي بين الأردن و سوريا الى مستوى سفير ، و زيارات الدولة الى ملكية و رئاسية ، وعلى مستوى رؤساء الحكومات و التبادل التجاري ، و تقوية العلاقة الأردنية مع روسيا و إيران ، خاصة بعد مغادرة روسيا عسكريا للحدود السورية الجنوبية بعد اندلاع العملية الروسية الخاصة ، ونذكر هنا بالخير شهيد الأردن البطل في منطقة " الرقة " الطيار المقاتل معاذ الكساسبة في مقارعة الأرهاب عام 2014، وكل شهداء الأردن العسكريين الأبرار في معركة تحرير الجولان في تشرين عام 1973 ، و الحرب الأوكرانية بالتعاون مع حلف " الناتو " بالوكالة بتاريخ 24/ شباط / 2022 ، و ايران في المقابل أيضا دولة إقليمية هامة و مؤثرة ، و يسهل تجديد العلاقة الدبلومسية معها أردنيا بمستوى سفير و بشروط أمنية مشتركة جديدة .
و خطاب الرئيس السوري بشار الأسد في قمة العرب في المملكة العربية السعودية أعطى مؤشرات جديدة حميدة تؤيد ترحيب العرب و الجامعة العربية بسوريا ، و دعا لتفعيل خطاب العرب الى خطوات عملية ناجعة ، حيث قال سيادته :" هي فرصة تاريخية لإعادة ترتيب شؤوننا بأقل قدر من التدخل الأجنبي ..، ولتعريف هويتنا العربية ببعدها الحضاري .. ، و استعادة الجامعة لدورها كمرمم للجروح لا معمق لها ، و الأهم ترك القضايا الداخلية لشعوبها ، .. أما سوريا فماضيها و حاضرها و مستقبلها هو العروبة .. لكنها عروبة الأنتماء لا عروبة الأحضان ، أتمنى أن تشكل القمة بداية مرحلة جديدة للعمل العربي للتضامن فيما بيننا للسلام في منطقتنا للتنمية و الأزدهار بدلا من الحرب و الدمار . إنتهى الأقتباس . و المطلوب من الجانب السوري الرسمي إحداث موازنة بين علاقات سوريا مع المعسكر الشرقي " روسيا و ايران " ، و بين المعسكر الغربي – الأمريكي ، و تركيا في الأقليم ، و بهدف اخراجها من الشمال السوري أيضا، و دراسة إعادة فتح ملف تحرير " الجولان " سياسيا و بشروط تشبه شروط مصر و الأردن حول سلامهما مع " إسرائيل " ، بمعنى القبول بسلام الند للند عبر فتح السفارات ، تماما كما كان مقترحا من قبلها إبان الرئيس الراحل حافظ الأسد و نقله لنا الرئيس الراحل حسني مبارك عن إسحق رابين ، و رفض سوريا أنذاك من قبل حافظ الأسد لسبب قومي ، مقابل إعادة الجولان من دون شروط ، وقتل رابين عام 1995 قبل أن يتمكن من تحقيق ما أراد ، و المعروف ذات الوقت هو بأن الدول العربية تحركت بشكل ملاحظ بعد مصر و الأردن بقبول السلام مع " إسرائيل " مثل " البحرين و الامارات و المغرب " ، و توجه عربي جاد لربط السلام مع " إسرائيل " بالرابع من حزيران لعام 1967 ، و بقيام دولة فلسطين كاملة السيادة وعاصمتها القدس الشرقية ، و بحق العودة أولا و التعويض ثانيا ، و شعار " ما أخذ بالقوة لا يسترد بغير القوة " لم يعد للأسف حقيقة .