قبل أن تبدأ الحكومة مفاوضات البدء ببرنامج تصحيح اقتصادي ممدد للسنوات الثلاث المقبلة مع صندوق النقد الدولي، عليها أن تجري تقييماً شاملاً لنتائج البرنامج المنتهي الذي غطى السنوات الثلاث الماضية.
في هذا المجال لا بد من الاعتراف سلفاً حتى قبل إجراء التقييم بأن البرنامج حقق نجاحاً في بعض الاجراءات خصوصاً في ضمان استقرار السياستين المالية والنقدية، لكن في المقابل لم يكن الثمن سهلاً، وبرز ذلك في مديونية كبيرة وفي عجز الميزان التجاري وفي تراجع في معدلات الدخل ولا زال النمو متواضعاً.
السؤال إذن هو ما إذا كان البرنامج السابق حقق بعض أهدافه وأخفق في اخرى ماذا عسى البرنامج الممدد أن يضيف؟.
ربما من أهم دوافع تمديد برنامج التصحيح هو ضمان الحصول على تمويل وتثبيت أو تحسين التصنيف الائتماني.
قلنا أن الحكومة لا تعتزم فرض أو زيادة ضرائب جديدة لأن العبء الضريبي لا زال أعلى من المعدلات العالمية، ولأن زيادته ستؤدي إلى مزيد من التراجع في معدلات الدخل وستكون عوامل مليحة للنمو.. لا تزال العوامل الضاغطة ماثلة سواء لناحية استمرار تراجع الاقتصاد العالمي وارتفاع اسعار النفط والحرب في اوكرانيا وعدم استقرار سوق الغذاء العالمي ما يعرض التضخم الى اهتزازات جديدة لكن الاهم هو كلفة إيواء مئات الآلاف من اللاجئين السوريين في مقابل تخلي المجتمع الدولي عن دوره في هذا المجال.
في نهاية 1988 وبداية 1989 بلغت الأزمة المالية في الأردن أوجها، فنضبت العملة الأجنبية من البنك المركزي، وعجزت الحكومة عن خدمة ديونها، وأخذت السلع المستوردة بما فيها الأدوية تختفي من الأسواق لعدم وجود عملة أجنبية تسمح بفتح اعتمادات الاستيراد.
كان يمكن أن تتطور الأزمة إلى درجة سحق الطبقة الوسطى والدنيا وكان أن اللجوء إلى صندوق النقد الدولي الحل.
ما فعله الصندوق هو دعم الموازنة ومنح الدائنين ضمانات لاقراض الاردن والمساعدة في إعادة الجدولة وتخفيض الفائدة وتقديم تسهيلات إضافية لإعطاء الأردن فرصة لتصحيح المسار الاقتصادي.
الصندوق منذ ذلك الوقت لا زال يمارس هذا الدور ويفرض شروطا قاسية وللحكومة الخيار أن تقبلها او تفاوض لتخفيفها لكن ليس ممكنا رفضها كليا. الصندوق يراقب التطبيق، ويتأكد من الالتزام وهو يعقد المراجعة تلو الاخرى ويفرج عن دفعات التسهيل الائتماني في ضوء النتائج، ويصدر شهادات حسن السلوك اللأزمة لاستمرار تعاون الدائنين.
في ظل البرنامج لا زال الأردن يتبع ذات السياسات التقشفية ولا زال يتمسك بتحرير الأسواق ومعالجة وتقليل العجز،
تجدد الحاجة لبرنامج تصحيح ممدد أو جديد يدعمه الصندوق مالياً وفنياً هو بحد ذاته يعني أن القرارات والاجراءات المطلوبة ستكون صعبة وليسـت شعبية، لكن ماذا بقي مما لم يفعله الأردن؟.
qadmaniisam@yahoo.com
الرأي