حين كان فيصل الفايز رئيسا للسلطة التنفيذية بين 2003 و2005 ، كان من البديهي أن ينبري للدفاع عن سياسات حكومته والتزاماتها أمام مجلس النواب, الصحافة والشارع ويحمي نفسه من مناكفات رجال في مفاصل صناعة القرار وضعوا العصي في دواليب فريقه الوزاري.
أما بعد أن خلع طاقية رئيس الوزراء, واختار خوض الانتخابات النيابية ليغدو رئيس مجلس النواب بالتزكية, بات عليه تغييرها بـ "قبعة الشعب" في مجلس منتخب يفترض أن يحمي مصالح دافعي الضرائب عبر تشريع القوانين ومراقبة أداء السلطة التنفيذية.
لذا, يستغرب حزبيون, نشطاء مجتمع مدني ومسؤولون مقاربة الفايز في إدارة جلسات المجلس واتخاذه سلسلة مبادرات عمّقت انطباعات بأنه يقوم بحماية سمير الرفاعي وحكومته التي تحتضر بعد أن جرّت البلاد إلى التأزيم وسياسة حافة الهاوية أكثر من مرة.
عدد منهم يرى أن الفايز يبدو أحيانا كمن يتصرف بعقلية داعم لرئيس الوزراء" مع أن الطبقة السياسية تعرف أن الود الشخصي مفقود بين الرجلين منذ سنوات.
لكن أوساط مقربة من الفايز, ابن الراحل عاكف الفايز زعيم مشايخ بدو الوسط ورئيس مجلس النواب لعدة دورات, يدافعون عن موقف رجل يجد نفسه في موقف لا يحسد عليه هذه الايام مع توحد حركات الاحتجاج المجتمعي والمعارضة السياسية وراء مطالب بإقالة حكومة الرفاعي وإدخال إصلاحات سياسية لتوسيع قاعدة المشاركة الشعبية.
يدرك الفايز, حسبما يؤكد مقربون منه, أن جزءا من مهمته, إدارة جلسات المجلس والتشبيك مع جميع الجهات, داخليا وإقليميا لخدمة أجندة التنمية السياسية-الاقتصادية-الاجتماعية, إلى جانب التواصل مع الناس بطريقة تختلف عن أسلوب سلفه السياسي المخضرم عبد الهادي المجالي, الذي تربّع على عرش النواب لثماني دورات, خاض خلالها مواجهات مع رؤساء حكومات سابقين.
الفرق بين الرجلين أن علاقة المجالي بالملك لم تكن بهذا القرب ما منحه حرية التحرك.
فالفايز, المعروف بدماثة خلقه, وشعار: "لا أجندة لي سوى خدمة الوطن والعرش" يجد نفسه اليوم كمن يسير على حبل مشدود في مقاربة تداعيات تحرك الشارع كل جمعة لحين رحيل الحكومة الحالية بسبب غلاء الاسعار وفشلها في مكافحة الفساد المالي والاداري.
هذا السياسي المقرب من الملك بعد سنوات من العمل في ظلاله, اكتسب ثقة, مودة وأريحية لدى رأس السلطة تساعده على تقديم نصائح صريحة لصانع القرار. وهو يسعى في تحركاته إلى التواصل مع قطاعات المجتمع, وتنفيس الاحتقان لخدمة العرش والوطن, بعيدا عن استرضاء الحكومة.
مقربون من الفايز يؤكدون أنه يخشى أن يساء فهم تصرفاته تحت القبة لدى التعامل مع السلطة التنفيذية بأنها تعكس ضوءا أخضر من القصر, الذي لا يبدو أنه رفع الغطاء عن الرفاعي رغم استمرار الاحتجاجات وعقد الملك سلسلة لقاءات تشاورية مع مجلسي النواب والاعيان وشخصيات سياسية ووطنية.
في ذات الوقت, يعرف الفايز أن عليه مساعدة مجلس النواب على استعادة دوره وحضوره كسلطة تشريعية ورقابية خاصة بعد أن صدم الرأي العام من الثقة غير المسبوقة; 180 درجة بعكس مواقف غالبية النواب الذين القوا خطابات نارية رفعوا فيها سقف الانتقادات قبل ان يبدأ الرفاعي, بالحشد وإطلاق وعود لرفع نسب التصويت. في المحصلة, أضرت تلك المناورات بصورة المجلس.
قبل أيام اعترض النائب المخضرم بسام حدادين على محاولة الفايز تحويل كلمة دعا فيها المواطنين للتهدئة عشية مسيرات الجمعة إلى بيان يتبناه المجلس دون فتح النقاش حوله. في بيانه, انتقد الفايز المحتجين لعدم تحسسهم للظروف الدقيقة "التي نمر بها وعدم الالتزام بأبسط مبادئ وقواعد حرية التعبير عن الرأي والفكر, ومخالفة القوانين الناظمة لهذه الحرية الهادفة ومحاولة التأثير على أبناء شعب هذا البلد الطيب وإيصال الجميع إلى نتائج لا تحمد عقباها لا سمح الله".
هنا قاطعه حدادين: "أرجو أن لا يدخل مجلس النواب في الاعيب سياسية فوق إرادته... ويجب أن نحافظ على مسافة عن الحكومة ولنتصرف كهيئة مستقلة". دخل نواب "العيار الثقيل" على الخط وأجبروه على إقفال باب النقاش دون التوصل لقرار.
صحيح أن الفايز حاول أن يوضح في بيانه أنه "لا يدافع عن أي جهة كانت على الاطلاق سوى الوطن, العرش والمواطن". لكن ساسة ونواب يقارنون موقفه بموقف طاهر المصري, رئيس مجلس الاعيان المعين ملكيا, الذي اعتبر أن الحراك الشعبي الاردني "يأتي في إطار المسيرة الديمقراطية التي يقودها بكفاية واقتدار جلالة الملك عبد الله الثاني". وأثنى المصري على "عمق وعي المواطن الاردني وحرصه على سلامة مسيرة بلده وبصورة حضارية راقية...".
الاستياء داخل مجلس النواب يتعمق تدريجيا منذ اليوم الاول لتولي الفايز رئاسة "النيابي" بالتزكية. لم يكن فوزه بهذه الطريقة مفاجئا. فالتسريبات الرسمية منذ شهور - والتي ينفيها الفايز دوما - تحدّثت عن تلقيه ضوءا اخضر من "مرجعية عليا" لترك مقعده في الاعيان حتى يضبط إيقاع مجلس النواب الجديد على لحن التحديث الملكي المطلوب. ثم تواصلت الشكوك حيال معيار نزاهة الانتخابات, التي تفاوتت من دائرة لأخرى, وما يثيره مرشحون مخضرمون خسروا مقاعدهم أو دخلوا المجلس بأجنحة مكسّرة.
لكن سياسات الفايز نقلت, عن قصد أو غير قصد, ملفات التأزيم بين الحكومة وقطاعات واسعة من المجتمع الاحزاب السياسية, المعلمين, والاعلام, إلى حضن مجلس النواب, وبسرعة البرق.
عقد سلسلة لقاءات مع أحزاب سياسية والمعلمين في محاولة لامتصاص غضب الناس. ثم ظهر وكأنه يخوض معركة الحكومة بالانابة مع وسائل الاعلام, خاصة الصحف الالكترونية, حين انتقد كتابات تناولت الثقة النيابية العمياء للرفاعي. كما أطلق مبادرة لحقن العنف المجتمعي مع أن الحكومة سبق أن شكلت لجنة وزارية لتدارس أسبابه.
إقليميا, زار قطر ليحثّ أميرها على توفير 33 ألف فرصة عمل لشباب الاردن حتى 2022 ، مستندا إلى علاقاته الشخصية الجيدة بالمسؤولين القطريين. جاءت مبادرته قبل أن يزور الرفاعي الدوحة استكمالا لمساعي طي صفحة الخلافات بين البلدين.
وخلال مشاركته في عزاء قريب له في السعودية قبل أيام طلب من شخصيات متنفذة شاركت في مراسم الدفن هناك أن لا تبخل الرياض على عمان بالمساعدات الاقتصادية ودعم موازنة 2011 ، وذلك من زاوية العلاقات الاستراتيجية بين البلدين.
هذه المواقف أظهرته كجزء من حكومة الرفاعي, أو كأن مجلس النواب تحوّل إلى شريك فعلي للسلطة التنفيذية بدل الاصرار على فصل السلطات لتحقيق مصلحة الاردن العليا واستعادة هيبة المؤسسة السياسية.
من هنا يتساءل ساسة وحزبيون عن إصرار الفايز على حماية حكومة الرفاعي التي وسّعت سياساتها المدفوعة أحيانا بعقلية فوقية وثأرية قاعدة المعارضة لتضم في صفوفها قوى كانت دائما تصنف ضمن خانة الموالاة التقليدية للسلطة; بمن فيهم متقاعدون عسكريون, معلمون, قضاة وعمال مياومة. ولا يستوعب هؤلاء سر استمراره بالدفاع عن حكومة الرفاعي التي لم يعد وزراؤها قادرين على الدفاع عنها وعن سياساتها منذ تحرك الشارع قبل ثلاثة أسابيع? ويتساءلون في المقابل: أليس من الافضل له الدفاع عن الله, الوطن والملك?
يقول ساسة إن الفايز يعرف أكثر من غيره كيف تطاول بعض أعضاء السلطة التنفيذية على القضاء المدني وكيف استبدلت حكومة الرفاعي العديد من شاغلي مناصب الفئة الاولى دون المرور عبر لجنة وزارية شكّلت سابقا لهذه الغاية.
ويردد ساسة ومسؤولون ِشكوى الرفاعي شخصيا لـ "مراجع عليا" لأن الفايز سمح لمعارض حكومته الاول النائب عبد الله النسور, بأن يكون المتكلم الاول في جلسة ماراثون الثقة النيابية كما سمح لمحمود الخرابشة بإلقاء آخر الكلمات, مع أن الفايز سار بحسب النظام بإعطاء الكلام لمن سجل اسمه أولا.
الفايز, على ما يبدو, سيستمر في محاولة مسك العصا من النصف لحين رحيل الحكومة, سيما ان المقربين من الملك يعرفون أنه لا يحب اتخاذ قرارات استجابة لضغوطات.
ربما يساعد لقاء الملك الفايز وأعضاء المكتب الدائم ورؤساء اللجان, وأجواء الصراحة التي سادته, في أن يغير الفايز تدريجيا من وجهة دفة مجلس النواب صوب لعب دور مؤثر في صناعة وإخراج إصلاحات سياسية حقيقية تدريجية تبدأ بسن قانون جديد للانتخابات النيابية وتحسين منظومة التشريعات الناظمة للحريات العامة مثل الاحزاب, الاجتماعات العامة, الاعلام ومكافحة الفساد والمفسدين.
فالملك طلب من النواب والاعيان بسط الملفات كافة أمام الناس بما فيها الفساد والمحسوبية لمعالجة الاخطاء وتسريع مسيرة التحديث. فهل يلتقط النواب الرسالة ويبادرون لدعم التغيير المنشود.
مقربون من الفايز يؤكدون أنه يتحسس طريقه تحت القبّة خطوة بخطوة. وينقلون عنه قوله: "لا زلت أتعلم العمل البرلماني. ومن يعتقد أنه ختم العلم فهو جاهل. إن شاء الله يحكم التاريخ على أفعالي". رئيس "النيابي" الذي يدرك المعادلات في الاردن شرع في إصلاح النظام الداخلي ويستعد للتجوال في المحافظات في مستهل عطلة المجلس مع المكتب الدائم ورؤساء اللجان للاستماع إلى مطالب الناس ونقل مظالمهم وأولوياتهم إلى الحكومة.
rana.sabbagh@alarabalyawm.net
(العرب اليوم)