سايكس - بيكو ورهانات المستقبل
د.حسن عبد الله العايد
30-01-2011 12:00 AM
يبدو أن التاريخ يعيد نفسه فقد كنت طفلا عندما كنت اقرأ عن وعد بلفور واتفاقية سايكس - بيكو عندما قاموا في ظهيرة يوم مشمس بتقسيم البلاد العربية فكنت أتساءل عن الأمة العربية
وأين كانت عندما حصل ذلك ، وكنت عندما أتصفح كتب التاريخ من اجل الدراسة للامتحانات أقول أين كان العرب من قوى الاستعمار ولماذا لم يحاربوهم ويخرجوهم من ديار العرب وكنت أغط كثيراً في أحلام اليقظة عندما أقرأ عن أبطال التحرير في الأردن وسوريا ومصر والعراق والجزائر وغيرها من الدول العربية .
ولكني عندما كبرت وأصبحت أراقب تغلغل الاستعمار السياسي والاقتصادي والاجتماعي من خلال أدوات العولمة بشتى مجالاتها وكذلك الاحتلال المباشر لفلسطين والعراق والصومال...الخ أصبحت اشعر أني أشارك قوى الاستعمار مجهوده في إذلال العرب .
كيف يتم ذلك ؟ عندما نعيش الأحداث دون محاولة للتغيير فإننا نصبح شركاء في استمرار الوضع الراهن وبقاء الأمور كما هي . و كما يقول "ماركس" : "حينما يبدو كما لو كان التاريخ يعيد نفسه، فإن المرة الأولى تكون حقيقية والثانية تكون حماقة".
تتكرر في الوطن العربي سيناريوهات سايكس – بيكو ما بعد الحرب الكونية الأولى ، فما الذي سيتم إعادة تشكيله وتقسيمه ؟، ومن الذي سيقوم بالتقسيم؟. في السابق كنا نلعب دور الضحية والاستعمار يقوم بالتقسيم، ولكن ألان نعد مجازيا شركاء للاستعمار الجديد ، من خلال لعب دور المتفرج ، إنها حالة نعيشها يوميا في العراق وفلسطين والصومال وأخيرا وليس أخرا السودان ، فالكل يحس ويشعر بهذه الحالة.
و كتاب الزميل الدكتور أحمد سعيد نوفل: "دور إسرائيل في تفتيت الوطن العربي" الذي نشر في بيروت عن مركز الزيتونة للدراسات والاستشارات 2007. ويعرض فيه للمشروع الخطير الذي اقترحه المؤرخ الصهيوني الأميركي الشهير (برنارد لويس) ونشرته مجلة (إكسكيوتف إنتلجنت ريسرش بروجكت)-والتي تصدرها وزارة الدفاع الأميركية في يونيو/حزيران سنة 2003-، والذي إقترح فيه تقسيم الشرق الأوسط إلى أكثر من ثلاثين دويلة إثنية ومذهبية لحماية المصالح الأميركية وإسرائيل. ويتضمن المخطط تجزئة العراق إلى ثلاثة دويلات، وإيران إلى أربع، وسوريا إلى ثلاثة، والأردن إلى دويلتين، ولبنان إلى خمس دويلات، وتجزئة السعودية إلى دويلات عدة... إلخ ويرى (برنارد لويس) أن كل الكيانات ستشلّها الخلافات الطائفية والمذهبية، والصراع على النفط والمياه والحدود والحكم، وهذا ما سيضمن تفوّق إسرائيل في الخمسين سنة القادمة على الأقل. وتوقف المؤلف عند الرؤية الصهيونية الإسرائيلية للعرب التي تأثرت بفلسفات التفوق العرقي، حيث تم تصوير الإنسان اليهودي الأوروبي بأنه "متفوق" على العربي "المتخلف"، وأنه متحضر قياساً بالعربي "المتوحش".
مما تقدم نجد أن كثيراً من الأكاديميين العرب تنبهوا لهذه المؤامرة وأشاروا إلى ذلك في كتاباتهم وأبحاثهم، ومع ذلك تطرح أسئلة كثيرة عن دور الأكاديميين وأعضاء الهيئة التدريسية في الجامعات والمعاهد ومراكز الأبحاث العربية ، ولكن الإجابة دائما بالنفي لأنه لم تحضى النخبة الأكاديمية في وطننا العربي بالقدر الذي يعتمد على كتابتهم وأرائهم في كثير من التحليلات والسياسات العربية في مواطن صنع القرار. وبالنظر مثلا لأفكار (برنار لويس) (وصمؤيل هنتنغتون) حول تقسيم الشرق الأوسط، وكذلك أطروحة صدام الحضارات. نجد أنها طبقت وما زالت تطبق على ارض الواقع ولكننا نقنع أنفسنا بان ما يجري هو شئ آخر وذلك لسهولة التعامل مع موقف كهذا أي إنكار الأزمة او تجاهلها، لتحل في النهاية على حسبنا دون الأمم الأخرى.
إن ما يحدث في السودان والعراق ربما يحدث ويتكرر في أية دولة عربية أخرى. إذا ماذا نحن فاعلون إزاء ذلك؟ هل نقف مكتوفي الأيدي؟ . وفي إدراكنا أن العقيدة والهوية والأوطان مستهدفة ثم يأتي بعدهما مواردنا الطبيعية وشعوبنا. إن وعينا وإدراكنا يجب أن يكون منصباً على أن مستقبلنا وأولادنا وأحفادنا مرهون بما نصنع ألان من تحرك وتغير حتى لا تبتلى الأجيال القادمة بشر ما تقاعسنا عنه هذه الأيام. فالواضح ألان أن (سايكس - وبيكو) ربما يندمان على تقسيمهم الساذج في الوقت الغابر، وأنهما كانا متخلفان بسبب أخطائهما الإستراتيجية التي تتطلب ألان إعادة حسابات الغرب بسايكس - بيكو جديدة .
hasanayed@yahoo.com
* استاذ مساعد قسم الإعلام والدراسات الاستراتيجية /جامعة الحسين بن طلال .