لا يُراد لملف " الحرب الأوكرانية " أن يغلق من جهة " كييف " العاصمة الأوكرانية ، و لا من جهة الغرب الأمريكي ، و روسيا الاتحادية صاحبة المظلمة التاريخية و المدافعة عن سيادتها في ظل سوء إستخدام دولة " كييف " لإستقلالها عن الاتحاد السوفيتي عام 1991 ، و التوجه المبكر بأوكرانيا بما في ذلك ( القرم و الدونباس ) صوب الغرب و الاتحاد الأوروبي ، و حلف ( الناتو ) المعادي لجارة التاريخ روسيا الاتحادية عوضا عن المحافظة على التاريخ المشترك الأوكراني – الروسي – السوفيتي – السلافي منذ زمن القياصرة حتى ، و للغرب المنقاد للولايات المتحدة الأمريكية ، ومعا ، أهدافا مشتركة عدوانية تتجاوز إطار سيادة أوكرانيا لترمي صوب ديمومة الحرب الباردة ، و سباق التسلح ، و إستنزاف روسيا ، ولتبقى الحرب دائرة وسط المنظومة السوفيتية السابقة ، و لتحقيق أهداف أخرى ذات علاقة بتحجيم الصين الشعبية عبر مسألة " تايوان " ، و أي دولة أخرى ناهضة تتحرك على شكل قطب وسط أقطاب العالم الواسع ، و أول دولة طرحت ألسلام فوق طاولة المفاوضات بخصوص الأزمة الأوكرانية ، كانت روسيا ، عبر دعوتها للحوار المباشر و عبر إتفاقية " مينسك " لضمانة أمن و سيادة أوكرانيا أولا ومع جيرانها الروس ، و لإبعاد شبح تمدد حلف " الناتو " غربا تجاه حدود روسيا الشرقية ، وكل محاولات الغرب بنفس الإتجاه كانت مكشوفة لروسيا على الدوام ، ولم يأتِ ضم روسيا " للقرم " عام 2014 بقصد إحتلاله كما يشاع في " كييف " وفي عواصم الغرب غير المتفهمة لحراك روسيا الدفاعي ، و المستند لمعطيات التاريخ القديم و المعاصر ، فهو روسي السيادة منذ عهد الإمبراطورة يكاتيرينا الثانية التي إنتزعته من فم الإمبراطورية العثمانية في الحرب الروسية الثانية عام 1853 ، و منح لأوكرانيا عام 1954 من قبل الزعيم السوفيتي نيكيتا خرتشوف لأسباب مائية و إقتصادية ، و التاريخ الروسي – الأوكراني - السوفيتي متداخل منذ عهد فلاديمير لينين و ثورته البلشفية عام 1917 ، لذلك أعاد الروس منطقة " الدونباس " كاملة ، و أبقوا الباب مواربا حول العاصمة " كييف " التي إقتربوا منها بداية العملية العسكرية الخاصة لترك مساحة إضافية لسلام الأمر الواقع ، بمعنى القبول بدولة أوكرانية من دون ( القرم و الدونباس ) ، و المنتصر مثل روسيا من يفرض شروطه بطبيعة الحال .
و السؤال الكبير الذي يطرح نفسه هنا هو ، هل من الممكن صناعة السلام وسط الحرب الدائرة رحاها على أطراف الدونباس و القرم ؟ وهل يمكن توقع توقف العملية العسكرية الروسية الخاصة الدفاعية ، الإستباقية ، التحريرية المواجهة للتطرف البنديري ؟ و هل ستقبل العاصمة " كييف" بشروط موسكو بسهولة ؟ و هل سيرفع الغرب الأمريكي يده عن الحرب ، و يوقف ضخ السلاح الحديث و المال الأسود تجاه غرب أوكرانيا ؟ للإجابة على هذه الأسئلة و غيرها ، أقول بأن السلام الروسي – الأوكراني ومع الغرب الأمريكي يحتاج لتنازلات كبيرة ، وفهم عميق لسيادة أوكرانيا لعام 1991 ، و التي لم تخترقها ، و لم تخترق معها القانون الدولي ، و القرم عاد لعرينه الروسي التاريخي و لم تحتله ، و يتمتع بالنسبة لها بموقع إستراتيجي عسكري و اقتصادي كبير ، و فيه يرسو إسطولها النووي في المياه السوداء ، وفي الدونباس مخزون روسيا من الفحم وعلى مستوى عالمي و بحجم 80% ، و العاصمة " كييف " تعرف تاريخيا باسم " كييفسكايا روس " ، وهو ما يضع عالمة إستفهام روسية حول مستقبلها ، و يصعب على نظام " كييف " السياسي الحالي الذي يتقدمه الرئيس فلاديمير زيلينسكي قبول شروط السلام مع موسكو بسهولة متوقعة ، و عينها على ( القرم و الدونباس ) معا ضمن سيادة أوكرانيا المطلوبة ، و المسيرات الأوكرانية - الغربية الصنع " دروني " لازالت تغزو العاصمة موسكو من داخلها ، من داخل المنطاق شاهقة البنيان و المكتظة بالسكان ، و رغم النجاح الروسي في مقاومتها ، إلا أنها لازالت تؤذي العمارات و المطارات الروسية و الطائرات المتوقفة فيها ، و المطلوب روسيا أكثر هو إجتثاث أماكن إنطلاقاتها من الداخل الروسي ،وهو واجب أمني بالدرجة الأولى ، و يرى الغرب الأمريكي في إستمرار الحرب انتصارا لنزواته في مماحكة روسيا إلى جانب نشر " الناتو " قرب الحدود الروسية ، و سلاحه أيضا ، وهو الذي تواجهه روسيا بالمثل عبر نشر سلاحها النووي في بيلاروسيا مثلا، و حرب باردة مستمرة غربية الصنع ، و سباق تسلح أيضا ، ترد عليه روسيا بتطوير سلاحها التقليدي و النووي كل عشر سنوات ، وتعتبر ذاتها متفوقة نوعا في مجاله لدرجة تعزيز قدراتها العسكرية لمواجهة دبابات " ليوبارد " و طائرات " F16 ، و احتمالات إندلاع حرب عالمية ثالثة بصورة مفاجئة .
للبابا فرانسيس ، بابا الكنيسة الكاثوليكية في روما تصريح حديث لم يتحمله الجناح الرسمي في العاصمة " كييف " و في عواصم الغرب ، و الذي مفاده ، بأن المطلوب من أوكرانيا المتصارعة مع روسيا عدم نسيان الإرث التاريخي المشترك مع روسيا العظمى منذ زمن القياصرة العظيم ، بطرس الأول ، و يكاتيرينا الثانية ، و بأن روسيا تمتاز بثقافتها و إنسانيتها ، و زحف " الناتو " تجاه الحدود الروسية حسب البابا فرانسيس شكل شعلة لاندلاع الحرب الأوكرانية الحالية ، المعروفة هكذا شيوعا ، و دعوة جديدة لهنغاريا للعاصمة " كييف " للعودة للحوار مع موسكو بإعتباره المخرج الأمن للسلام و لسيادتها على أرضها ، و روسيا المنتصرة عسكريا حققت إنتصارا سياسيا كبيرا ملاحظا أيضا عبر تشكيلها لعالم متعدد الأقطاب بقيادتها يشمل شرق و جنوب العالم ، و على كل طرف في الصراع أن يعرف حجمه الحقيقي ، فدولة " كييف " لن تكون قادرة يوما على مواجهة روسيا العظمى عسكريا لذلك نراها تذهب الى الشغب و التخريب عبر الطائرات المسيرة و استهداف الصحفيين الروس ، و الغرب كله ثبت فشل مراهنته على قدرة " غرب أوكرانيا على المواجهة أو تحقيق إنتصارات رغم تجاوز حجم المساعدات الغربية الغربية لها 200 مليار دولار ، و الغرب نفسه يشعر بفشل أكبر بسبب مشروعه الحربي الفاشل بالوكالة مع روسيا من خلال غرب أوكرانيا ، و تبقى روسيا هي المسيطرة على ساحة القتال و بوضوح .
لا شيء يمنع من تحقيق السلام وسط الحرب ، و سلام ضعيف خير من حرب مأسوف على مستقبلها ، و آن الأوان لإعادة بناء المؤسسات القانونية العالمية مثل " الامم المتحدة ، و مجلس الامن ، و المحكمة الدولية ، و حقوق الانسان ، و محكمة الجنايات الكبرى لتحصينها من الإختراق الخارجي ، و بعكس ذلك سيبقى العالم يحتكم لشريعة الغاب ، و ستبقى الحروب تحل محل السلام ، بينما يعني السلام للبشرية جمعاء التنمية الشاملة لمصلحة كل شعوب العالم والقضايا الدولية العالقة من دون حلول جذرية مقنعة و في مقدمتها القضية الفلسطينية العادلة ، وقضايا العرب الإحتلالية منذ عام 1967 و التي ينادي بإنصافها القرار الأممي 242، وللحديث بقية ..