ماذا بعد الرفاعي ؟ رؤية عملية للتعامل مع الأزمة ..
ناهض حتر
28-01-2011 03:25 PM
الإبقاء على حكومة السيد سمير الرفاعي حتى آذار هو وصفة للتصعيد والجمود. حكومة الرفاعي ماتت سياسيا، واستمرارها في الدوار الرابع سيؤدي إلى مضاعفات من دون جدوى.
بالمقابل، فإن إقالة الحكومة الحالية وتشكيل غيرها على عجل واختيار رئيسها ووزرائها في إعلان مفاجيء، سيدخلنا في الدوّامة نفسها من انعدام الثقة، ولن يكون حلا. فاستبدال اسم بآخر من نادي الحكم لن يسعف أشواق التغيير التي تلهم الشعب الأردني. كذلك، فإن توزير شباب الديجتال على أساس الحصص والتدخلات وجوائز الترضية لا يقود إلى حكومة يمكنها إنقاذ البلد.
الوزارة منصب سياسي وليس وظيفة. ولذلك، ينبغي أن يشغل الحقائب الوزارية سياسيون لهم حيثيات اجتماعية وشعبية وفكرية، وقادرون، بالتالي، على تمثيل المجتمع واجتذاب الفعاليات إلى المساهمة في تنفيذ برامج التصحيح والبناء الوطني.
ورئيس الوزراء ليس كبير موظفي الدولة، بل هو عنوانها السياسي المسؤول دستوريا ـ كما وزرائه ـ وهي مسؤولية آن الأوان لتظهيرها، وتمكينها، والحيلولة دون تخلي أصحابها عنها بحجة " التعليمات من فوق" !
إقتراحي هو إستقالة الحكومة فورا وتكليفها تصريف الأعمال. ولا ضير في أن يكون لدينا حكومة تصريف أعمال لمدة شهر أو شهرين. خلال ذلك، على رئيس الديوان الملكي أن ينشط في قراءة المشهد السياسي ويتوصل ، بالتعاون مع المعنيين، إلى قائمة شخصيات وممثلين للقوى الاجتماعية والسياسية من خارج نادي الحكم ، للقاء جلالة الملك، وطرح تصوراتهم حول الرئيس والتشكيلة الوزارية والبرنامج الحكومي للمرحلة المقبلة. وبعد استكمال اللقاءات ـ التي ينبغي ألا تستثني أحدا ـ سوف تكون الصورة قد اكتملت، ويمكن عندها لجلالة الملك أن يكلف رئيسا يحظى بالتوافق على أساس برنامج مستمد من القواسم المشتركة للمطالب والرؤى الاجتماعية والاقتصادية المطروحة في اوراق العمل المقدمة من ممثلي الحراك الشعبي.
سمير الرفاعي هو ، بحد ذاته، مشكلة ـ خصوصا لجهة أسلوبه التأزيمي في التعامل مع الملفات ـ ولكن الرفاعي، ايضا، هو وريث مشاكل متراكمة ناجمة عن نهج إقتصادي اجتماعي ثبت فشله ومطلوب تغييره ليس في الأردن فقط وإنما على مستوى عالمي. فالرأسمالية الليبرالية وفوضى السوق واولوية البزنس وسيطرة رأس المال المالي وتوجيه الجهود والموارد " لاجتذاب الاستثمارات الأجنبية" على حساب الإقتصاد الوطني وبغض النظر عن البعد الاجتماعي، وما يسمى المشاريع الكبرى وما تتيحه من فساد كبير..الخ كل ذلك أوصل العديد من الدول إلى الإفلاس وإفقار الأغلبية لصالح أقلية إستأثرت بحصيلة النمو وكوّنت طبقة جديدة منبتة الصلة بمجتمعها ووطنها ومصالحه الإستراتيجية وثقافته. وهي طبقة محدودة العدد خيالية الثروة أدخلت إلى البلد تقاليد إنفاق وهدر وبذخ وفساد وإفساد، خربت الانتماء الوطني وأشاعت الإحباط واليأس والنزعات العنفية وسط شعور عميق بانعدام العدالة.
هذا " الموديل" كله لم يعد قابلا للاستمرار موضوعيا. فالبلد تم حلبه حتى آخر قطرة، ولم يعد هنالك ما يمكن بيعه سوى دائرة المتابعة والتفتيش في الداخلية، وفتح الباب على مصراعيه للتهجير والتجنيس، إستكمالا لتنازلات سلطة الأبوات في رام الله، في خطة تصفية القضية الفلسطينية.
لن يجدي ذلك نفعا. وسيكون التجنيس بلا ثمن. ذلك أن واشنطن غيّرت أولوياتها الآن، فلم يعد ما يسمى بالسلام على أجندتها، بل الحفاظ على نفوذها في عالم عربي يتغيّر بعمق.
والبراجماتية الأميركية لم تعد تتردد لحظة في رفع الغطاء عن الحلفاء إذا كان التغيير لا يمس مصالحها الإستراتيجية. وفي المثال التونسي هناك نقطة جوهرية لم يلتفت إليها المعلقون كثيرا، وهي أن المعادلة السياسية حتى الآن محصورة ـ حتى لدى أكثر الفئات ثورية ـ بالبعد الداخلي. وهو ما جعل واشنطن تقبل بها وتساندها وتعتبرها " نموذجا".
في الأردن يرتبط البعد الداخلي ـ بسبب تعقيدات القضية الفلسطينية ـ بالبعد الخارجي. وهو ما يتطلّب من الجميع تحييد البعد الخارجي والتركيز على الداخلي، لئلا نجد أنفسنا في مأزق وجودي. ومعنى ذلك بالضبط هو تأجيل ملفات من قبيل التجنيس والسجال حوله معا، وتلافي البحث في قانون الانتخابات في هذه المرحلة، وتوحيد الصفوف حول محاكمة الفساد وإعادة بناء الإقتصاد الوطني ومنظومة العدالة الاجتماعية وابداع وسائل تطوير تشكيل الحكومات وبرامجها من دون مغامرات، وفي ظل دستور 1952. إن مبادرة ملكية للطلب من الحكومة الجديدة والبرلمان إلغاء جميع التعديلات المدخلة على النص الدستوري الأصلي سوف تمثل أفضل وآمن مقدمة لإعادة بناء النظمة السياسية. أما الآن، في هذه اللحظة بالتحديد، فالأولوية المطلقة هي للإصلاح الاقتصادي والاجتماعي. فلا معنى للديموقراطية مع انكشاف الاقتصاد الوطني والفساد وانتشار البطالة والفقر والتهميش.
خاص ب ( عمون)