مقاعد الطب .. الحجة ضعيفة !!
محمد حسن التل
29-08-2023 04:41 PM
لا أحد يقف امام أي خطوة يراد منها تنظيم عملية القبول بالجامعات تحافظ على مستوى التعليم وتربط دراسة التخصصات بحاجة السوق..
لكن أصبح هناك تقليد ثابت لدينا في بداية كل عام دراسي جديد أن تنفجر في وجه الطلبة وأولياء أمورهم مشكلة حتى لا أقول "قنبلة" بسبب قرار يتخذ بطريقة متسرعة وغير مدروسة الارتدادات السلبية التي تؤدي إلى الارتباك .
هذا العام فوجيء الطلبة بقرار مجلس التعليم العالي " يرأسه وزير التعليم العالي " القاضي بتخفيض عدد الطلبة المقبولين في الجامعات الرسمية في كلية الطب بنسبة سبعين بالمئة ، مع أن الحديث حتى وقت قريب كان يدور حول أن يكون التخفيض بنسبة عشرين بالمئةفقط ، الأمر الذي خلق حالة إرباك عند الطلبة وأولياء أمورهم الذين يخططون لدراسة الطب منذ سنوات الدراسة في المراحل الأساسية والثانوية ، وحصلوا بالفعل في امتحان الثانوية العامة على معدلات تؤهلهم لدراسة هذا التخصص حسب الشروط المعلنة .
مع الإقرار أن تخصص الطب أصبح يمثل إشكالية لدينا على مستوى البطالة فيه لعدم قدرة السوق الأردنية على استيعاب آلاف الخريجين الذين تضخهم الجامعات كل عام ، وبالعودة إلى قرار مجلس التعليم العالي فإن تبريراته ضعيفة وغير مبررة ، فقد كانوا يتحدثون عن ضرورة تخفيض عدد الطلبة الدارسين للطب لمحاولة محاصرة توسع مساحة البطالة في هذا التخصص ، ويحضون الطلبة أن يتوجهوا إلى تخصصات أخرى يحتاجها السوق .
اليوم اختلف القول وتغير المبرر ، وتفاجأ القوم أن الجامعات الرسمية ليس لديها القدرة أن تستوعب أعدادا كبيرة من الطلبة كالأعوام السابقة لأن بنيتها التحتية في كليات الطب غير قادرة وغير مجهزة لذلك ، وبإمكان الطلبة الراغبين في دراسة الطب أن يتوجهوا للجامعات الخاصة ، أو للجامعات في الخارج وهنا أصبح المحظور مطلوبا ، فقد كانوا يقاومون فكرة منح الجامعات الخاصة رخصة تدريس الطب بحجة الحفاظ على مستوى تدريس هذا التخصص وفجأه أصبحوا يفتحون الطريق امام الطلبة للإلتحاق بهذه الجامعات التي حصلت على الرخصة ، وكانوا ينتقدون خروج الطلبة إلى الجامعات خارج البلاد رغبة في الحفاظ على العملة الصعبة التي تخرج من البلاد وخوفا من ضعف تدريس الطب في بغض البلدان
ولكن بسرعة لافتة انقلبت الأمور وتحول المسار إلى اتجاه معاكس وظهرت تبريرات جديدة غير مقنعة ، ولو كان تبرير القرار بمحاولة تخفيض حجم البطالة في تخصص الطب لربما تم قبول الفكرة ، ولو كان التوقيت أيضا مناسبا لوقفنا ألى جانب القرار ، ولكن أن يفاجأ الناس به دون أي مقدمات وبعد ظهور نتائج الثانوية العامة فهذا التصرف بصراحة يدعو إلى التفكير وربما يدفع إلى "الريبة" بمقاصده ، ويزيد مساحة الحديث لدى الرأي العام أن القرار اتخذ لدفع الطلاب للتوجه إلى الجامعات الخاصةالخاصة .
لا شك أن مهنة الطب نتيجة عدم التخطيط السليم المدروس لدى كل المعنيين في التعليم العالي عبر السنوات الطويلة ، ونتيجة تغيير السياسيات بتغير الأشخاص باستمرار لم يتم تحصينها من البطالة ، ولم توضع الدراسات اللازمة للحفاظ على التوازن بين دراستها من جهة ومن جهة أخرى حاجة السوق المحلي والسوق الخارجي ، حتى وصل واقعها اليوم إلى هذا المستوى من الفوضى والبطالة المتراكمة ، فهل يعقل أن يصل عدد الطلبة على مقاعد الدراسة في دراسة الطب حتى تاريخ اليوم ثلاثين ألف طالب ، وأن النقابة ستستقبل خلال السنوات الخمس المقبلة أعضاء يتجاوز عددهم عدد الممارسين في الوقت الحالي ، وهل يجوز أن يصل أعداد الخريجين في كل عام ثلاثة آلاف طالب ، مع الإشارة إلى أن حاجة السوق المحلي حسب نقابة الأطباء تصل بحدها الأقصى إلى الف وخمسمائة طبيب ، وهذا يعني أن نصف الخريجين سيلتحقون بصفوف البطالة ، لأنه بالإضافة إلى أشباع السوق المحلي ، فإن السوق الإقليمي أيضا لم يعد كما كان في السابق لأسباب كثيرة أهمها أن الدول أصبحت تعتمد على خريجيها بشكل شبه كامل .
إذن القصة الأساسية في الموضوع يجب أن تكون محاصرة البطالة وليس فتح كليات جديدة في الجامعات الخاصة التي لا نعلم كيف سيكون مستوى التعليم في بعضها وليس الاختباء وراء حجة ضعيفة كعدم قدرة الجامعات الرسمية على استيعاب الطلبة نظرا لضعف إمكانياتها في البنية التحتية والأكاديمية .
لقد كنا نتحدث عن أخطاء عديدة في القبول الجامعي اهمها عدم عدالة القبول الموازي وانه يخلق طبقية في التعليم ويمنح فرصة لأصحاب المعدلات التي لا تؤهلهم لدراسة التخصصات التي يقبلون بهاخصوصا في الطب في حين يحرم الاخرين أصحاب المعدلات المرتفعة والإمكانيات المادية الضعيفة، وقد وصف كثير من وزراء التعليم العالي هذا النوع من القبول بغير الدستوري، إضافة الى حجم الاستثناءت الكبير في القبول الذي بات ايضا يخل في معادلة المساواة بين الاردنيين بشكل كبير وبالتالي نحن لسنا بحاجة اليوم الى أخطاء وتناقضات جديدة.
كل ما تعاني منه الادارة الاردنية اليوم ناتج في معظمه عن التغيير المستمر في القيادات حيث كل وزير أو مسؤول يأتي يبعثر الاوراق التي تركها سلفه، وبالتالي المواطن هو الذي يدفع الثمن..