قطار العقبة عمان تأخر ٣٠ عاما
د.عبدالفتاح طوقان
29-08-2023 12:42 PM
اكتب لابنائي وزملائي المهندسيين الأردنيين لتوثيق احداث، وكيف ان الأردن دوما متقدما ولكن أحيانا القرار الحكومي متراجع وينعكس سلبا علي الاقتصاد وهو متآخر مما يكلف الأردن الملايين .
التسعينيات من القرن الماضي حيث كنت اعد واقدم برامج في التلفزيون الأردني، هوايتي وعشقي وبيتي الثاني وكينونة صداقاتي ونجاحي وضمن برنامج نحو عام ٢٠٠٠ تحدثت في احد البرامج عن ضرورة إقامة سكك حديد وقاطرات سريعة بين عمان والعقبة يتم ربط المطار ضمن الشبكة ويقف في خمس محطات من ضمنها الكرك ومعان، بحيث يكون الخط نقل ركاب وسياحة ويسمح بعربات خاصة للبضائع أي تشغيل تجاري ينعش الاقتصاد والتجارة، وان يتم ربط أيضا عمان الزرقاء علي ان يمتد لاحقا الي اربد.
وكتبت عديد من المقالات عن خط السكة الحديدي الحجازي والذي هو وقف وعن ضرورة إعادة احيائه وتوسعته و تطويره .
واقصد أن السكك الحديدية في مقدمة وسائل النقل التي تعتمد عليها دول العالم اعتمادا كبيرا في تحقيق نموها وأهدافها الاقتصادية والاجتماعية والسياسية خصوصا وأن وجود هذا الخط الامن سوف يساعد ان يخرج الأردن من الازمات الاقتصادية والمناخية والاجتماعية ويفتح افاق جديدة للتشغيل وحل جزء من مشكلة البطالة ويعيد توطين الصناعة ونقل المواد و السلع وتصديرها، وسيقوم باحياء المناطق التي يمر بها ويساهم في إيجاد مناطق حضرية حديثة كبيرة جراء مرور شبكات السكك مما يساعد علي ازدهارها، وحينها يمكن وضع دراسات تخطيطية وتنظيمية شاملة للمملكة الأردنية وللمناطق تلك وإعادة تقسيم الأردن بكاملها الي ثلاث مناطق شمال وجنوب ووسط وهي الدراسات التي اهتم بها سمو الأمير الحسن وكنت من فرق العمل عليها وتمت مناقشتها ثم "دفنت مع كثير من الدراسات في ادراج الوزرات ".
كنت قد اطلعت حينها علي دراسات مستقبلية تربط الصين بامريكا بخط ٨ الاف ميل في رحلة تستمر يومين منها أجزاء في سيبريا ، كندا و المياه مضيق بيرينج تحت المحيط لمسافة وفي الجبال والوديان ضمن مشروع سكك حديد المحيط الهادي و بتمويل صيني بالكامل ،وخطط لربط الخليج بالأردن، لم يكن هناك حينها أي ذكر او إشارات الي ربط مع الكيان الإسرائيلي والذي هو الان الفكرة الأساسية المتدارسة لربط اسيا بافريقيا بعد معاهدات السلام والخرق الواضح لكل ما نشاءت عليه الأجيال من قيم ومواقف تجاه فلسطين المغتصبة وبات التطبيع يسوق باعتباره "حلاوة الموسم"!..
"الغنج السياسي" من أسباب تأخر المشاريع وفشلها، وخلال عملي الهندسي 40 عاما مع اكبر الشركات العالمية المختصة بالسكك الحديد صادفت العديد من اكفاء المهندسون الأردنيون والعرب غير عن الأجانب والغربيون ممن تشرفت بالعمل معهم على أجزاء مختلفة ومهمة من سكك حديد في دول مختلف من ضمنها مترو الرياض، مترو جدة وأيضا سكك حديد تربط المدينة المنورة الى مكة المكرمة والذي يعرف بقطار الحرمين الكهربائي الذي افتتح تجريبيا ٢٠١٧ ، بطول ٤٥٠ كليومترا بطاقة ستين مليون مسافر سنويا وفي زمن قياسي هو ١٢٠ دقيقة ، (١٣ عربة سعة كل منها ٤١٧ راكبا ) أي ١٦٠ الف راكب يوميا ، وأيضا محطة قطار الحرمين السريع في مطار جدة لخدمة ٥ ملايين حاج في موسم الحج، ومن ثم مشاريع قطارات مقاطعة اونتاريو ، إضافة خطوط سكك حديد في اتجاهين ، توسعة محطة يونيون في تورنتو بسعة ٢٥٠ الف راكب، ومن ثم خط قطار خاص يربط مدينة تورنتو بمطار بيرسون ومترو الدوحة في قطر ثم توسعة خط مترو مطار حمد لاستقبال مونديال كأس العالم لكرة القدم بحيث يتم اخراج المسافرين خلال ثلاثين دقيقة ،أي زمن قياسي بما فيها الأمور الأمنية ، وغيرها من مشاريع في دول أخرى واعتذرت عن إدارة مشروع سكك الحديد في بنجلاديش، وفي كل المشاريع وانا اتابع التصميم ثم اري بالتنفيذ على ارض الواقع وبناء محطات السكك الحديدية، ادخال الكهرباء ..الخ ، كان في ذهني لماذا تأخر مشروع قطار عمان العقبة وعمان الزرقاء، ولماذا لا يتم استخدام تلك الخبرات الوطنية والاستفادة منهم، الى متى سيستمر مسلسل التراجع والتأخير و "الغنج السياسي - الاقتصادي"؟!..
حجة التمويل حجة الفاشل
كانت الحجة الدائمة هي التمويل، وهي شماعة غير الاكفاء ممن يتحملون مسؤوليات اكبر منهم ويجهلون التعامل مع المؤسسات الدولية والجهات المانحة، ومن خلال عملي وجدت ان مشاريع ضخمة لسكك الحديد في المكسيك وفي كندا وفي اسبانيا وفرنسا بالمليارات من الدولارات أتت شركات مختصة عالمية في القطارات ومولت المشروع ونفذته وادارته ثم سلمته للحكومة لاحقا، كانت هناك اتفاقات حكومية وضمانات بلا شك ولكن بعض الحكومات "جبنت" ان تمتح مثل تلك الضمانات!!.. وبالتالي ضاعت الفرص.
واتصلت بوزير اشغال وبرئيس حكومة من سنوات (وهم مسؤلين سابقين وعرضت عليهم الحديث مع بنوك اسيوية ويابانية ومع شركات اسبانيه وفرنسية)، ولكن لم اجد اهتماما ووجدت أولا تراخيا من جهتهم وعدم معرفتهم بمكانة الأردن وكيفية التواصل مع تلك الشركات العالمية والبنوك، وضاعت الفرص مجددا بسبب غياب الفكر والرؤية المستقبلية وفي النهاية هي قضية" الكفاءات المغيبة ".
من جانب آخر كان نائب رئيس الوزراء للاعوام ١٩٩١-١٩٩٣، أمد الله في عمره السياسي وامين عمان الأسبق ووزير النقل المهندس علي السحيمات (أبو معن)، وكان ذو خبرة متميزة اكتسبها من خلال دراسته في جامعة ساسكس الامريكية والجامعة الامريكية في بيروت ثم عمله مع مجموعة بن لادن للمقاولات، وتحدثت اليه وقت كان هناك تصور لتوسعة خط سكك حديد الشيدية وكان متحمسا لمشاريع السكك الحديد ولكن الوقت لم يمهله، ثم عادت المهندسة لينا شبيب وزيرة النقل السابقة تطرح أهمية المشروع مؤخرا في مقال لها نشر بتاريخ ٢٩/٨/٢٠٢٣ وضمن حماس من وزير الاشغال الحالي الصديق المهندس ماهر أبو السمن واعتقادي ان الوقت مناسب والتعاون وارد ضمن توحيد الجهود في لجنة هندسية تضع الأطر والخط ومسار الخط ومقترحات التمويل وتخاطب الجهات الدولية لاستدراج عروض تصميم و تنفيذ و تمويل السكك الحديدية.
لا مستحيل امام المهندس الحقيقي وكل شيء قابل للتطبيق
المشروع مهم للاردن، وهناك حلول لكل التضاريس والمناطق التي سيمر بها القطار وباستخدام التكنولوجيا المتقدمة والاقمار الصناعية في تحديد المسارات، سواء من خلال حفر الانفاق داخل الجبال او إقامة جسورعلوية مرتفعة حيث لا يوجد امام "المهندس الحقيقي " و ليس من يحمل شهادة تمضية سنوات خمس في كلية هندسة أي صعوبة في إيجاد حلول هندسية قادرة على التعامل مع السرعة والتضاريس والطبيعة، ولعل مشروع إقامة خط سكك حديد يربط الصين بامريكا بطول ١٣ الف كيلومترا وجزء منه تحت المحيط مثلما هو بين فوجين وتايوان تحت الماء، فيما يطلق عليه السكك الحديدية العابرة للبحار لهو دليل آخر على قيمة وقدرات وتفوق " المهندس".
وأود هنا أن اشير الى أن الأردن ( عدد المهندسيين تجاوز ١٩٠ الف ) لهو بلد عظيم ولديه شباب ومفكرين ومهندسين عباقرة ومواطنين متحمسين لبناء الدولة الحديثة فعليا على الأرض جنبا الى جنب مع أوراق ونقاشات التحديث السياسي، لان لا تحديث سياسي دون اقتصاد وبناء للمستقبل وخطط هندسية وإدارية.
دعونا لا ننتظر 30 عاما اخرى ويضيع مزيد من الوقت وتزداد الكلف والأزمات ونحصر الأردن في "أروقة البحر الميت" وحفلات الغذاء و سلايدات ملونة تبهت مع الأيام ويمضي قطار العمر دون قطار حقيقي.
aftoukan@hotmail.com