حتى لا يبقى ضحايا حوادث السير مجرد أرقام
أمين العمد
29-08-2023 11:19 AM
وفاة ستيني بحادث سير بشارع الأردن!
وفاة طفلة بحادث دهس في إربد!
3 وفيات و 4 إصابات بحادث تدهور في الأزرق!
هذه عينة من عناوين تتناقلها وسائل الإعلام المحلية ومواقع التواصل الاجتماعي بشكل شبه يومي، كثيرا ما أتساءل عندما أقرأ مثل هذه العناوين، ما هي أسماء المتوفين والجرحى؟ وكم تركوا وراءهم من أحبة؟ وماذا كانوا يعملون؟ وأين كانوا ذاهبين وقت الحادث؟..
في المرة الأولى التي أسافر فيها إلى الولايات المتحدة في العام 1988، صادف وجود زعيم عربي مهم في واشنطن في نفس اليوم، وفي ليلتي الأولى في الفندق دفعني الفضول للبحث في القنوات المحلية عن تفاصيل هذه الزيارة وأهميتها، ومع علمي المسبق بعدم اهتمام المحطات الإعلامية بالأحداث السياسية العالمية مهما عظمت، إلا أنني دهشت كثيرا لعدم اهتمام الإعلام المرئي الأميركي بهذه الزيارة على الإطلاق! ولا حتى المحطات التي تطلق على نفسها "الدولية"، لم يكن هذا هو مصدر دهشتي الوحيد، وإنما ما أثار اهتمامي هو تغطية المحطات الإخبارية المفصّل للحوادث اليومية؛ فمثلا، وقع حادث لإحدى المركبات عند موقع لصيانة الطريق في شارع بضواحي إحدى المدن، قامت المحطات المحلية بتغطية الحادث من كل جوانبه: كم كانت سرعة المركبة، وهل كانت متناسبة والسرعة القانونية للطريق، وهل كانت الشواخص التحذيرية كافية، وهل كان هناك حواجز حماية مناسبة، وإلى غير ذلك، وحتى تصل الحقيقة كاملة للمشاهد، قامت المحطات بإجراء مقابلات متلفزة مع كل من السائق ومدير الموقع ومندوب الشرطة والناطق باسم البلدية ومع خبير بالحوادث ليحلل الحادث ويوضح المسؤوليات.
ولكن ما علاقة هذا الخبر بعنوان مقالي أو مقدمته؟ ..
عندما نقرأ عناوين الحوادث لدينا، عادة ما نمر عليها مرور الكرام وربما جادت أنفسنا بحوقلة أو استرجاع!، ولكن قلمّا نفكر إذا كان هذا المتوفي أباً لأطفال تيتموا أو إبناً كان المعيل الوحيد لأسرته، وربما لا نستطيع أن نتخيل كم كان للمرحوم من آمال وطموحات، وكم وضع من خطط وبرامج للمستقبل، وربما لن نعرف أبدا مدى سوء جراحات المصابين ومن منهم سيقضي ما تبقى من عمره على كرسي مدولب، ومن منهم من سيقضي بقية عمره في أروقة المحاكم وعلى أبواب شركات التأمين أو بين الجاهات والعطوات..
إنني بالتأكيد لا أدعو لاتباع النموذج الغربي، وفي نفس الوقت أشعر بالضيق الشديد لقراءة عناوين الحوادث لدينا، وما أدعو له أن تقوم وسائل إعلامنا خاصة محطات التلفزيون بإضفاء مسحة إنسانية على هذه الحوادث، بتركيز مزيد من الضوء على ضحاياها لنعلم أنهم منا وفينا، وليعلم المستهترين بمدى تأثير إهمالهم على حياة الناس، واقتداءً بجهود فريق العلاقات العامة في الأمن العام لأنهم أكثر من عملوا جاهدين في هذا المجال، ولا اعتقد بأنهم سيبخلوا بما يمكن نشره من معلومات وتفاصيل لأصحاب العلاقة من الإعلاميين.