العقوبات البديلة .. خطوة إلى الأمام
د. أشرف الراعي
29-08-2023 09:51 AM
قرأت اليوم خبراً في صحيفة "الغد" اليومية يقول إن أكثر من أربعة آلاف (4000) شخص استفادوا من العقوبات البديلة، فبدلاً من السجن يُمكن لهؤلاء استخدام سوار إلكتروني – بقرار قضائي - والذي يعد من ناحية أكثر توافقاً مع حقوق الإنسان، وأكثر قدرة على إدماج الفرد في مجتمعه؛ فليست غاية العقوبة "عزل المذنب عن محيطه الاجتماعي"، بل تحقيق الردع العام والخاص، لا سيما في بعض القضايا التي لا تتطلب إلقاء القبض عليه، ووضعه في السجن لفترات طويلة.
العقوبات البديلة، حل من الحلول لتقليل اكتظاظ السجون والإبقاء على الأشخاص ضمن محيطهم الاجتماعي والأسري وبما يسمح لهم في ممارسة حياتهم الطبيعية، وإصلاحهم الاجتماعي في ذات الوقت، وهي فكرة متقدمة في التشريعات الجزائية الحديثة، فضلاً عن أن الاختلاط مع مجرمين آخرين في السجن، قد لا يخلق من الجاني الذي يمكن أن يكون قد ارتكب فعله المُجرم لأول مرة منه إنساناً سوياً.. لا بل قد يجعل منه مجرم خطير على أمن مجتمعه وسلامته.
وبالعودة إلى المواثيق الدولية في هذا الإطار؛ حيث جاء في قواعد طوكيو للتدابير غير الاحتجازية للعام 1990، ما نصت عليه المادة الثانية والتي أجازت للهيئات القضائية إذا ما توافرت لديها طائفة من التدابير غير الاحتجازية، أن تراعي في قرارها حاجة الجاني إلى إعادة التأهيل، وحماية المجتمع، وكذلك مصالح المجني عليه....".
وفي ذلك، أشارت العديد من الأبحاث العلمية إلى أن الضرر النفسي نتيجة حبس حرية المتهم كبير؛ حيث يصف العديد من السجناء – في الولايات المتحدة مثلاً – "العقوبة بأنها (نفق بلا ضوء في النهاية) و(موت بطيء ومعذب)، كما يُعبر سجناء عن شعور عميق ومتزايد بالخسارة والوحدة وإدراك أن العديد من أفراد الأسرة سيموتون على الأرجح أثناء وجودهم في السجن، كما أنهم سيحرمون من أي فرص لإعادة التأهيل، ما يؤدي إلى اليأس المطلق والتدهور العقلي وكأن جريمتهم التي ارتكبوها لن يتم التكفير عنها ما يخلق لديهم شعور داخلي بالقهر والظلم وقد يزيد ذلك من إجرامهم".
وليس هذا فحسب، بل تشكل التكلفة المالية المرتفعة للسجناء، تأثير سلبي على الدولة وميزانياتها التي يمكن استغلالها في افتتاح مشاريع تحسن من ظروفهم المعيشية وتخلق لهم واقعاً أفضل، بدلاً من تدمير حياتهم ووضعهم في مشقة نفسية إلى ما لا نهاية، تكريساً لجوهر دولة القانون والمؤسسات، وبما يسهم في حمايتهم من الانخراط بشكل أكبر في الجرائم.
وفي هذا لا بد من الإشارة إلى أن 75% من الخارجين من السجن في الولايات المتحدة يعودون إلى الإجرام مرة أخرى، في حين أن من طبقت عليهم العقوبات البديلة، كانوا أقدر على التفاعل مع محيطهم الاجتماعي والعودة إلى حياتهم السوية السليمة من دون التوغل في الإجرام، وهو ما حدا بالعديد من الدول إلى تطبيق هذا النظام على الصعيدين العالمي مثل فرنسا، والإقليمي مثل البحرين والمغرب وغيرها من الدول، لذلك فهذا النظام هو خطوة متقدمة إلى الأمام.