يوشك شهر آب على الانتهاء، ولا تلوح في الأفق زيارة للرئيس الروسي بوتين لتركيا, كان الرئيس التركي أردوغان أعلن بنفسه ان نظيره الروسي قادم للعاصمة التركية هذا الشهر، لكن «سجالاً» وقع مباشرة بين موسكو وانقرة حول «صحة» هذا الخبر، إذ سارع ناطق الكرملين/بيسكوف للقول ان موعد ومكان الاجتماع بين الرئيسين «قيد الدراسة» الآن، وسيتم –أضاف بيسكوف– الاتفاق عليهما عبر القنوات الدبلوماسية، لافتاً إلى أن الاجتماع قد «لا» يكون بالضرورة في تركيا.
تصريح روسي كهذا صيغ بحذر شديد, لكنه استبطن تكذيباً أو لنقل نفياً لامكانية ذهاب بوتين إلى أنقرة، عكس من بين أمور أخرى فتوراً يصعب اخفاؤه في علاقات الزعيمين، خاصة أن موسكو أبدت غضبها إزاء الخطوات والتصريحات التي أدلى بها الرئيس التركي. إن لجهة استضافته الرئيس الأوكراني/زيلينسكي في اسطنبول, وتصريح أردوغان عن «حق» أوكرانيا بعضوية الناتو، أم خصوصاً في إطلاقه خمسة من نازيي كتيبة آزوف, الذين تم إرسالهم إلى تركيا ضمن صفقة تبادل أسرى روس وأوكران, شريطة أن يبقى النازيون الخمسة في تركيا إلى حين انتهاء الحرب.
لم يُخف الكرملين غضبه مما قام به أردوغان وما تم تفسيره بأنه استدارة مقصودة, من الرئيس التركي نحو إدارة بايدن خاصة بعد قمة الناتو التي عُقِدت في ليتوانيا, وإعلان أردوغان موافقته على انضمام السويد لعضوية حلف الاطلسي، حيث لم يتردّد فيه الرئيس بايدن من الإعلان بان إدارته تدعم تنفيذ صفقة طائرات F-16 لتركيا.
قمة بوتين – أردوغان التي طال حولها الجدل يبدو أنها ستُعقد في منتجع سوتشي على البحر الأسود، أي أن بوتين «لن» يذهب إلى تركيا, بل اردوغان الذي سيهبط في سوتشي، وبصرف النظر عن الأسباب التي دفعت بوتين إلى عدم الذهاب لأنقرة (بإفتراض أن الزيارة كانت مُجدّولة)، فإن ذهاب أردوغان إلى سوتشي تشير إلى أن أردوغان بات في حاجة إلى إنجاز «ما»، بعد «تجميد» أو تبديد كل ما سعى إلى تجميعه من أوراق منذ اندلاع الحرب الأوكرانية, وبروزه كطرف وسيط و"الأطلسي» الوحيد القادر على نسج علاقات مع «طرفيّ الحرب", لا يثير غضب واشنطن أو حلف الناتو أو الاتحاد الأوروبي، فضلاً عن صرفِه أنظار الأتراك عن الأزمات الاقتصادية، والمعيشية وارتفاع منسوب البطالة والفقر في تركيا, وبخاصة بعد تراجع الرهان على الفريق الاقتصادي والمالي الذي جاء به أردوغان بتعيين وزير مالية جديد ورئيسة جديدة للبنك المركزي، لكن الليرة واصلت تدهورها.
من هنا فان سعى أردوغان لعقد لقاء مباشر بين بوتين وزيلينسكي لن يكتب له النجاح, أو حتى مجرد أن يكون بنداً على جدول أعمال القمة, خاصة من قِبل بوتين الذي نحسب أنه لن يمنح أردوغان «جائزة» كهذه، ناهيك أن مباحثات الزعيمين لن تكون سهلة هذه المرة, بعد أن «عكّرت» تصريحات وقرارات أردوغان الأجواء بينهما. إن لجهة تعثّر ومن ثم وقف العمل بصفقة الحبوب التي استفادت منها تركيا كثيراً, أم خصوصاً مواصلة أردوغان دعم كييف سياسياً ودبلوماسياً والاصرار على بناء مصنع للطائرات المُسيّرة في أوكرانيا (قيل إن روسيا دمّرته).
ثمة من يربط بين زيارة أردوغان القريبة لسوتشي واجتماع قمة قادة مجموعة الـ"20", التي ستعقد في العاصمة الهندية/نيودلهي يومي 9 و10 أيلول الوشيك، علماً أن الرئيس بوتين لن يحضرها كما أعلن ناطق الكرملين (كذلك غاب بوتين عن قمة مجموعة الـ"20» الأخيرة التي عقدت في اندونيسيا، وكانت جاكارتا دعت زيلينسكي لحضورها كضيف، فيما لم تقم الهند بتوجيه دعوة له للقمة المقبلة).
في المحصلة، لن تغلق موسكو الأبواب كافة في وجه أردوغان، الذي لم يتوقف عن «مناكفة» روسيا بل والوقوف ضدها في كثير من الملفات, سواء تكرار تصريحاته عن عدم اعتراف بتبعية شبه جزيرة القرم لروسيا، أم في تكريس احتلاله لسوريا وتنسيقه مع المحتل الأميركي لتنفيذ خطة خبيثة, تنهض على تخلّي واشنطن عن قوات سوريا الديمقراطية/قسد, مقابل مشاركة أنقرة في عملية عسكرية في دير الزور والبادية السورية, للسيطرة على معبر البوكمال السوري الذي يقابله معبر القائم العراقي, لقطع ما يُسمّى خط طهران–بيروت المار ببغداد ودمشق، إضافة بالطبع إلى دور تركيا في الصراع الأذري – الأرمني حول اقليم كاراباخ, ومحاولات أردوغان التي لا تتوقّف لإحياء ما تسميه «العالَم التركي", في جمهوريات آسيا الوسطى/السوفيتية السابقة.
هذا لا يعني بالطبع أن القطيعة بينهما قريبة، إذ إن موسكو حريصة على عدم قطع «شعرة معاوية» مع أنقرة، كذلك حال الأخيرة التي تعلم انها «مُستفيدة» من علاقاتها مع روسيا, وعلاقة كهذه «لا» تُزعج واشنطن, التي لا تريد أن تذهب موسكو «بعيداً» باتجاه الصين، ما سيشكل خطراً أكبر على مخططاتها في المحيطين الهادئ والهندي. علماً أن علاقات موسكو ببيجين وصلت إلى مستويات مُتقدمة, ومرشحة للإرتقاء إلى ما يمكن وصفه بتحالف استراتيجي عميق, يصعب التراجع عنه.
kharroub@jpf.com.jo
الرأي