مثير للإعجاب ما تحظى به رؤية التحديث الاقتصادي من زخم ومتابعة. خلال الأيام الماضية، جاءت فعالية "عام على التحديث" كجزء من المتابعة الرسمية لمستوى الإنجاز على أساس المكاشفة والحوار مع الشركاء.
افتتح رئيس الوزراء الفعالية بكلمة لخصت مخرجات العام الأول من برنامج الرؤية. وعلى أهمية ما تم تناوله من نتائج، جاء الإنجاز الأبرز بتوقيع قطاع السياحة. فقد نما الدخل السياحي للمملكة أول سبعة أشهر من العام الحالي ب 50% مقارنة بذات الفترة من العام 2022. وبذلك، وصلت إيرادات قطاع السياحة منذ بداية العام أكثر من 4 مليار دولار.
ارتفاع دخل السياحة ليس دليلا كافيا على الإنجاز. الأهم أن يكون هذا الارتفاع مدعوما بخطة وإجراءات مدروسة، وليس وليد الصدفة أو الظروف الاستثنائية غير المتكررة.
هذا ما تؤكده الإحصاءات الرسمية، حيث تظهر أرقام الموازنة العامة ارتفاع مخصصات ونفقات الترويج السياحي ب 50 مليون دينار عام 2022. أي أن الحكومة خططت، ورصدت المخصصات المطلوبة، والتزمت بتوفيرها وإنفاقها، وصولا إلى تحقيق الارتفاع المسجل في دخل السياحة.
وإلى جانب الترويج الفعال، شكل الاختراق المثمثل بتفعيل الطيران الاقتصادي منخفض التكاليف نقطة فارقة في تحفيز السياحة الواردة إلى الممكلة خلال السنوات الأخيرة.
البناء على الإنجاز واستدامة نمو النشاط السياحي يحتاج إلى التركيز على مواطن القوة والضعف، والالتفات بشكل أكبر إلى الفرص غير المتحققة.
النظر إلى إحصاءات السياحة الأجنبية للمملكة يظهر أعداد السياح الصينيين وترتيبهم في مراتب متأخرة جدا مقارنة بالجنسيات الأخرى. وتأتي هذه المعطيات رغم كون الصين المصدر الأول للإنفاق الخارجي على السياحة عالميا بقيمة وصلت إلى 250 مليار دولار عام 2019.
المقارنة مع الأسواق المجاورة يشير إلى ذات الفجوة. فبينما بلغ عدد السياح الصينيين لمصر 500 ألف سائح، ولإسرائيل 150 ألف سائح، عام 2019, لم يستقبل الأردن خلال ذات السنة إلا 20 ألف سائح فقط من الجنسية الصينية.
وإذا علمنا بأن معدل إنفاق السائح الصيني من الأعلى عالميا، وأن الصين أدرجت الأردن ضمن الدول المقبولة لإرسال المجموعات السياحية إليها بعد انتهاء منع السفر المرتبط بجائحة كورونا بداية عام 2023، وأن الأردن يلائم اهتمامات السياحة الصينية الشغوفة بزيارة المواقع الأثرية وتجارب الضيافة، نكون أمام فرصة حقيقية تستحق منا مزيدا من العمل والتركيز وتوجيه الموارد.
المسألة ليست متعلقة بالصين حصرا، بل تمتد لتشمل الاتجاه شرقا عبر التركيز على مختلف الأسواق الآسيوية الصاعدة، والتي تشهد توسعا غير مسبوق في حجم طبقتها الوسطى وفئاتها المقتدرة ماليا، مقابل ركود وتباطؤ القارة الأوروبية، وارتفاع معدل أعمار سكانها. هذه الاتجاهات الاقتصادية مشجعة للعمل على تضييق الفجوة بين السياحة الواردة من أروربا والسياحة الواردة من آسيا (غير العربية) إلى الأردن خلال السنوات القادمة.
استمرار الزخم في دعم وتشجيع السياحة يخدم مختلف أهداف الاقتصاد الكلي، وفي مقدمتها التشغيل وميزان العملات الأجنبية. نتمنى أن يحمل العام الثاني من التحديث تطورات بذات الحجم في قطاعات أخرى.