في الخامس والعشرين من شهر آب الحالي تم افتتاح أعمال ملتقى عام على التحديث الذي نفذته الحكومة بمناسبة مرور عام على إطلاق رؤية التحديث الاقتصادي وخريطة طريق تحديث القطاع العام بحضور كبير ومتنوع من الخبراء والجهات ذات العلاقة.
الملتقى مهم جدا وينطوي على جلسات تفاعلية نوعية احاطت بمسارات التطوير الإداري والاقتصادي وانعكاساته المأمولة على الواقع الأردني. ولكن ما ينبغي التوقف عنده مليا في هذا السياق بعض الدلالات والمؤشرات في الملتقى عكست ممارسات فضلى في التعاطي في إدارة الشأن العام:
أولا: الالتزام الواضح والمعلن من قبل الحكومة باتباع نهج تشاركي تكاملي مع الأطراف كافة، والمضي قدما في الخطوات اللاحقة لعملية التحديث من خلال مسار يقوم على الحصول على التغذية الراجعة من المعنيين وتحديد الأولويات بصورة دورية، وهو ما عبر عنه رئيس الوزراء في كلمته الافتتاحية بأننا نريد نقاشا باتجاهين يفضي إلى مقاربات توصلنا لتحقيق أهدافها. ومما لا شك فيه أن هذا النهج من شأنه أن يجعل من الجميع شركاء في صنع القرار وفي تحمل مسؤولية التنفيذ بالنتيجة وتوليد الشعور المتأصل بأن كل فرد يقع على عاتقه إنجاح هذه الرؤية.
ثانيا: تكريس مبدأ الافصاح الاستباقي الذي يسهم في تدفق المعلومات، وهو مبدأ لم يكرس بعد في التشريع الأردني، إلا أن الملتقى كان تطبيقا عمليا لهذا المبدأ المنسجم والمعايير الدولية لحقوق الإنسان وبصورة خاصة أثناء الكلمة الافتتاحية لرئيس الوزراء التي تضمنت التطرق للعديد من القضايا بشفافية ووضوح وبمعطيات رقمية ونوعية تتعلق بالتطورات التي شهدتها رؤية التحديث الاقتصادي والتحديات في الوقت ذاته، بالاضافة الى تقديم توضيحات شفافة حول عدد من القضايا الهامة مثل موقف الحكومة من عدم التدخل بسياسات البنك المركزي المبنية على قواعد محددة وأسس منهجية وقانون الملكية العقارية وغيرها من القضايا ذات العلاقة، وهو أمر يشكل ممارسة فضلى في تقديم المعلومات دون طلب من الافراد أو الجهات وبصورة استباقية.
ثالثا: الخروج من مسار النظرية إلى التطبيق مع المرونة في عملية التقييم والمراجعة، حيث أكدت أعمال الملتقى على الإطار العملي والتنفيذي بعيدا عن الحديث في أطر نظرية وأن عملية التقييم ستخضع لمرونة عالية لتصحيح أي اختلالات تظهر خلال عملية التنفيذ.
دلالات ومؤشرات مهمة لأعمال ملتقى "عام على التحديث"، وخطوات واضحة تعكس تطورات إيجابية يشهدها الأردن على صعيدي الفكر والممارسة في وضع وتنفيذ سياسات الدولة، نتأمل أن تكون الأعوام التسعة القادمة - وهي الأعوام المتبقية لتنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي بصورتها الكاملة- ترجمة حقيقية لهذه الرؤية الطموحة التي يستحقها الأردن تزامنا مع مئويته الثانية.
الغد