تجنب الأردن حتى الآن فرض منطقة عازلة بينه وبين سورية، لاعتبارات كثيرة أبرزها عدم التدخل العسكري البري في سورية، وثانيها عدم مس سيادة الدولة السورية، وثالثها انتظار الحلول من جانب دمشق الرسمية إزاء قضايا عديدة.
اللافت للانتباه أن دمشق، لا تأبه لكل حسابات الأردن، إذ على الرغم من الكارثة الإنسانية التي تنزلت على السوريين، والكارثة الاقتصادية التي يعيشها السوريون اليوم، إلا أن دمشق لا تتجاوب أبدا مع كل محاولات ترتيب علاقاتها مع الجوار.
الاستياء الرسمي اليوم في الأردن، في أعلى مستوياته من تصرفات دمشق الرسمية، حتى لو لم تظهر هناك تعبيرات سياسية علنية من عمان الرسمية، إذ برغم كل المحاولات لحض السوريين على وقف محاولات تهريب السلاح، والمخدرات، وتموضع تنظيمات ومليشيات قرب الحدود مع الأردن، إلا أن شيئا لم يتغير بشكل جذري، بل إن دمشق تعيد التموضع في المنطقة العربية، دون أن تتجاوب مع الأردن، بل وتقفز عنه عبر سماءات الإقليم.
هذا ملف أمني، ويجب نزعه من يد السياسيين في الأردن، لأن السياسيين لديهم تقديرات مختلفة، قد لا تناقض الاعتبارات الأمنية، بل تتكامل معها، لكن أحيانا يتوجب تغيير الأولويات، ومبدأ المسارات المتوازية في العلاقة مع السوريين، أي توازي "الأمني والسياسي"، خصوصا، حين نعرف أن عصابات المخدرات تستعمل تقنيات عسكرية متطورة جدا في الوقت الحالي، وهي أيضا لديها مدافع ضد الطائرات، ولديها طائرات درون، وكأننا نتعامل مع جيش جديد منفلت.
حين تم تسريب المعلومات عن سيناريوهات المنطقة العازلة، كانت التقييمات سلبية لهذا الخيار، على الرغم من وجود آراء تقول إن هكذا سيناريو لا ينفذه الأردن وحيدا بل بشراكة أميركية وإقليمية، بما يحمي حدود الأردن من جهة، وبما يؤسس لحل للاجئين السوريين من جهة ثانية على طريقة النموذج التركي، والعقيدة العسكرية في الأردن تاريخيا تقوم على مبدأ عدم التدخل برياً في دول الجوار، وربما كان الاستثناء تنفيذ عمليتين عسكريتين جويتين استهدفت الغارة الأولى معملا للكبتاغون في درعا مرتبطا بمليشيات عسكرية تابعة لجهات مختلفة ويعد المعمل أيضا مركزا للقاءات وعمليات المهربين، فيما قتلت الغارة الثانية ما تعتبره عمان المطلوب الأول لديها بتهريب المخدرات إلى الأردن، والذي جنّد مئات من المهربين الذين التحقوا بصفوف المليشيات الإيرانية المتمركزة في جنوبي سورية.
إلى متى سيواصل الأردن إبراق الرسائل بهذه الطريقة، سواء عبر محاورة السوريين أمنيا وعسكريا، أو عبر إطلاق الرسائل السياسية علنا، أو عبر تنفيذ عمليتين عسكريتين كدفعة تحت الحساب، في الوقت الذي ينغمس فيه الأردن في جهود إحياء النظام السوري، داخل العالم العربي، وبين دول منظومته الأساسية والفاعلة.
يقال صراحة اليوم، ثماني نقاط، أولها أن الأردن بحاجة إلى دعم إقليمي ودولي فعلي لوقف حرب السلاح والمخدرات على الأردن خصوصا من الأميركيين الذين لهم قواعدهم العسكرية في المنطقة، ثانيها أهمية شراكة الدول التي تصلها المخدرات كمحطة نهائية إذا مرت من الأردن، فهي ليست حربنا وحدنا، وثالثها أن الأردن عليه أن يخفض حجم توقعاته من نظام دمشق، وألا ينجرف باتجاه المصالحة مع دمشق دون شروط قابلة للتنفيذ، ورابعها الإدراك العلني أن حرب الحدود ضد الأردن ليست سورية وحسب، بل تتشارك مع دمشق أطراف مختلفة، ونحن لا نحاور السوريين فرادى، وخامسها أن إعادة تنفيذ ضربات عسكرية جوية ضد هذه الجماعات يجب أن يكون واردا ويتكرر مجددا، وسادسها ضرورة إنهاء الشبكات المحلية الوكيلة داخل الأردن، والتي تعمل لصالح الشبكات السورية والتركيز يجب أن ينصب على المناطق المحاذية لسورية، وما يجري فيها، وبدون إنهاء الوكلاء ستبقى المعركة مستمرة، وسابعها أن قراءة خطر المخدرات على أبناء الأردن وشبابه وتفشيها بينهم، يثير الذعر حقا، ويوجب تحركا مختلفا، لا مواصلة الصبر في هذه القصة، وثامنها أن بحث حلول جديدة وسيناريوهات لم يتم اللجوء إليها سابقا يجب أن يبقى واردا.
لا تبرقوا لنا برسائل متناقضة، تخوضون حربا مرعبة ضد ما يتدفق من سورية، وهي أخطر من الحروب العسكرية، ولا يتجاوب نظام دمشق معكم أبدا، وتنغمسون في الوقت ذاته في عمليات إنقاذ النظام، وترميم وجهه وسمعته وتمديد عمره.
سياسة "القفازات الناعمة" سياسة فاشلة ويجب أن تتغير.
الغد