ما ان تتجاوز حدود المريغة ودبة حانوت حتى يأخذك الخيال بعيدا فتتذكر الرجال العظام الذين مررت بمنازلهم ممن سكنوا هذه الديار منهم من عرفناه والآخر سمعنا عنه بعدما طبعت سيرهم وفضائلهم وخدماتهم واصبحت ذكراهم وسمعتهم ارثا تتناقله الاجيال..
رجالات هذه الديار بعدد تلال واودية وجبال المكان وكلهم موضع احترام ومحبة وتقدير فمن الشيخين عرار وحمد الجازي اللذين بقيا منارات ساطعة في فضاء البادية الجنوبية وبين القبائل الى المرحوم الشيخ عفاش الجذوان "راع الجذوة" ومرورا بجدوع العودات والعشرات من ابنائهم واحفادهم وأبناء عمومتهم.
على جانبي الطريق تنتشر قرى النعيمات التي حظي أهلها ورجالاتها وشيوخها بسمعة عطرت المكان بكرمهم وأخلاقهم وسماحتهم بعد ان تدخل محيط بلدة القويرة يغشاك صوت بدوي عتيق يقول بايقاع الهجينة "يا ونتي ونيتها ....بين القويرة والعقب ....هويتي خليتها ..كله مطامع بالذهب".
ومن غير تفكير تنظر الى الجبال والرمال والتشكيلات فيتملكك الاحساس بجبروت المكان حيث تتداخل التضاريس والالوان ووقع حوافر خيول الحويطات وصوت الحكمة والعدل لعودة بن نجاد الذي بقي موئلا لطالبي العدل..
وعلى المدى تكاد ان تلامس التاريخ الذي حمله المكان فتسمع صليل السيوف وهمهمة الخيل وغبار النزال وصهيل حصان عودة ابو تايه منتشيا بانتصارات الفارس الاسطورة..
المكان مدجج بدخان القرا وألحان الربابة وصدى الحداء والهجينة ودخان القطار القادم من بعيد تعلو صافرته لتتنحى الابل عن سكته ليستكمل رحلته التي انطلقت منذ يومين من اسطنبول عبر دمشق..
في تلك اللحظة تتمنى لو تنساك الايام وتسعفك القوة لتتجول في زوايا وجنبات الارض الغامضة الودودة فتصعد قمم كل الأحقاف الطينية وجبال الصخور الوردية وترى منها وفيها العالم والاحياء والبحر والارض والجوار.. وتستمع لهمسها وشهاداتها وحكاياها.
تحية المحبة والوفاء الى هذه الديار واهلها والى ابناء واحفاد الرجال الذين عمروا هذه الديار بحضورهم وحبهم وعطاءهم وانفاسهم وتضحياتهم..