الفضاء الأزرق للكاتب فوزي الخطبا
سارة طالب السهيل
26-08-2023 01:18 PM
مع اشتداد موجات الحر الصيفية، بحثت عن نسمات هواء عليلة أستنشقها وتسري في جنباتي، ترطب عقلي وقلبي وروحي وتنشط خيالي وذاكرتي. وسرعان ما وجدت ما أبحث عنه في كتاب "الفضاء الأزرق في الرواية العربية، أنثى افتراضية نموذجًا"، الذي أهداني إياه الأديب الأردني المتمكن فوزي الخطبا، مشكورًا على الهدية القيمة.
ورغم أن طبعة هذا الكتاب الأولى صدرت عام 2019، إلا أنه برأيي يستحق القراءة مرارًا وتكرارًا، لأسباب عديدة، منها أنه يقدم لنا قراءة فاحصة وناقدة للواقع الأدبي العربي المعاصر في تماهيه مع التقنية والرقمية، ويضع يده على تحولات الإبداع الروائي العربي والعالمي نتيجة لفضاء الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي في خلق وطن افتراضي للشخصيات الروائية وتفاعلاتها عبر الشبكة العنكبوتية والواقع المعاش معًا.
نعم، هناك جهود بحثية ودراسات مهمة تناولت الأدب الرقمي، غير أنها لم تحقق فيها شمولًا في تعريفات ومفاهيم الأدب الإلكتروني والفضائي. وجاء هذا الكتاب ليفصل كثيرًا من المفاهيم حول هذا الإبداع الأدبي ويثري المكتبة العربية بأول كتاب نقدي عن ملامح الرواية العربية في مجتمع فيسبوك وواقعه الافتراضي، مقدمًا قراءات نقدية واعية ومهمة لهذا النوع بالتحديد، وهي الرواية التي تجري أحداثها عبر فيسبوك وتفاعلاته اليومية، من خلال عدة روايات مثل "حب من أول نقرة" للروائية الجزائرية مريم نومار و"حب في زمن الفيسبوك" للروائية المغربية مريم كنماتي، وعلى رأسها رواية "أنثى افتراضية" للروائي المبدع فادي المواج الخضير.
هذا الكتاب يقدم وجبة ثقافية لعشاق الأدب، وثق المؤلف فيه تطورات الرواية العربية في شكليها الورقي والرقمي وكيفية التداخل بينهما بفضل فيسبوك الأزرق، مما يجعله مرجعًا مهمًا لفهم النص الروائي العربي المعاصر.
الكتابة الإبداعية تحولت في هذه الدراسة إلى سرعة واختزال وبوح شفاف وانفعالات عاطفية وتواصل مشبع بالمشاعر، تأثرًا بثورة الاتصال ووسائل التواصل الاجتماعي. قسم الدكتور الخطبا الرواية العربية الراهنة في علاقتها بالفضاء الاتصالي إلى قسمين، الأول هو قسم الرواية الورقية التي تعبّر عن علاقات الافتراض وتحتل المساحة الأكبر من صفحات الأدب المنجز. فهي الرواية التي يصاغها مؤلفها عن علاقات نشأت في عالم الإنترنت مثل "مملكة الفراشة" لواسيني الأعرج، و"أنثى افتراضية" لفادي الخضير وغيرها. تصورت في هذه الروايات الشخصيات تجاربها في واقع افتراضي لم يكن موجودًا من قبل.
واستشهد الدكتور أحمد زهير بتعريفها أنها تجارب سردية مطبوعة ورقيًّا ذات مضامين ورقية، والتفاعل البشري على الإنترنت وإيجاد حلول لمشاكل واقعنا جعل من الإنترنت محتوى روائي.
أما للقسم الثاني، وهي الروايات الرقمية، فتنقسم - حسب المؤلف - إلى قسمين، الأول هو الرواية الرقمية البسيطة والتي لا تختلف عن الورقية إلا عن طريق النشر، والثاني هو الروايات الرقمية المركبة التي تعتمد بالأساس على تفاعلات تشعبية والتشارك بين المبدع والمتلقي عبر الوسيط الإلكتروني. الكتاب "الفضاء الأزرق في الرواية العربية، أنثى افتراضية نموذجا" يركز المؤلف في اختياره لهذا الكتاب على الكتاب الورقي المعبر عن مجتمع فيسبوك، وتحليل نماذجه الروائية خاصة رواية "أنثى افتراضية" كنموذج. وتوصل المؤلف في دراسته لهذه الرواية إلى أنها جمعت بين النموذج الورقي للرواية والطابع الرقمي الحديث، وهو ما تجلى في تجاوزها الأسلوب النمطي للرواية والاستفادة من الأجناس الأدبية الأخرى.
يكشف هذا الكتاب كيف تحول مجتمع فيسبوك إلى مادة روائية ثرية، وظفت فيه أداة الاتصال فيسبوك في العديد من الروايات الناجحة مثل "ذاكرة طفل" للتونسية فتحية فرج. ويقدم الكتاب سياحة ثقافية نقدية ابداعية للنصوص الروائية التي عالجها المؤلف، والذي شرح لنا من خلالها كيفية المزج بين المستويات الشعرية والفكرية والسردية في روايات "أنثى افتراضية" وتحويلها لعالم الافتراضي عبر الإنترنت لتكون وطنًا لشخصياتها وحساباتهم التواصلية وتفاعلاتهم وأسمائهم المستعارة وبوحهم ومشاعرهم الصادقة.
ويسجل هذا الكتاب بنجاح أول تجربة بحثية نقدية لدراسة تأثير شبكة الإنترنت على حياتنا المعاصرة وتدخلها في أدق تفاصيل حياتنا الخاصة جدًا.
من النصوص الروائية المعبرة عن هذه العلاقات الانسانية على الفيسبوك