الحلقة الفارغة في حادثة بريغوجين
د.حسام العتوم
26-08-2023 09:00 AM
لم أستعجل الكتابة حول حادثة اغتيال يفغيني بريغوجين قائد منظمة " فاغنر " الأمنية الروسية الخاصة ، و مساعده دميتري أوتكين الى جانب ثمانية آخرون من نفس التظيم ، بعد سقوط طائراتهم الخاصة " امبراير ليغاسي " بتاريخ 23/ 08/ 2023 فوق مدينة " تفير " الروسية في المنطقة الفاصلة بين العاصمة موسكو و مدينة سانت بيتر بورغ شمالا وهي تحترق ، بينما كان المستهدف الأول في الحادث هو بيرغوجين بطبيعة الحال ، و مساعده أوتكين مؤسس التنظيم ومن رافقهم جاءوا بالمعية ، و تسارعت وكالات ووسائل الإعلام الأجنبية غير الروسية في نقل و تناقل الواقعة بينما صمت وقتها الإعلام الرسمي الروسي و انشغل بتغطية احتفالية مرور 80 عاما على النصر في معركة " كورسك " في الحرب العالمية الثانية بحضور الرئيس فلاديمير بوتين ، و لم يصدر أي تصريح من قصر " الكرملين " الرئاسي حول حادثة بريغوجين ، وهو الذي يعتبر من جانب مقاتلا شرسا و قائدا لتنظيم أمني و عسكري خاص ممول من قبل وزارة الدفاع الروسية في موسكو ، و محررا لمدينة" أرتيومسك – باخموت سابقا ، ومن جانب آخر مشاكسا لقيادة وزارة الدفاع الروسية ، و تحديدا لوزير الدفاع سيرجي شايغو ، و لرئيس هيئة الأركان الروسية فاليري غيراسيموف وقتها ، وهو الأمر الذي رفضته القيادة الروسية بقيادة الرئيس بوتين ومهما كانت الأسباب الموجبة لذلك .
وجاء تصريح رئيس روسيا الإتحادية فلاديمير بوتين عبر اعلام بلاده الفضائي في اليوم التالي لحادثة بريغوجين هادئا ، ولقد أشاد بقدراته في مجال البزنس ، و ذكر بأنه يعرفه شخصيا و عن قرب ، ولفت الإنتباه لأخطائه المتكررة ، وقال بأنه وجه لتشكيل لجنة تحقيق ميدانية في الحادثة لتبيان الحقيقة و بتجرد ، و المعروف هو بأن بريغوجين نظم موجة من الغضب داخل تنظيمه " فاغنر " بعد تحرير مدينة " أرتيومسك " هذا العام 2023 ، ووصل مع تنظيمه الى مدينة " روستوف " جنوب روسيا - عاصمتها الثالثة – و أعلن عن زحفه و " فاغنر " الى موسكو للقاء وزير الدفاع و رئيس هيئة الأركان ، وهو ما استغربته موسكو و اعتبرته خطا أحمرا ، ووساطة رئيس بيلاروسيا الكسندر لوكاشينكا شكلت مخرجا أمنا للأزمة بين " فاغنر " و موسكو ، و الا لواجه بريغوجين و فاغنر مصيرا مأساويا مبكرا ، وتم الإتفاق على ترحيل فاغنر و قائده الى بيلاروسيا ، وهو ما أزعج العاصمتين " كييف " و " وارسو " لإقتراب التنظيم منهما .
ولقد رصدت موسكو حراكا عسكريا بولنديا تجاه غرب أوكرانيا و العاصمة " كييف " بعد تحرير روسيا للقرم و للدونباس ، و حركت جيشها تجاه الحدود البولندية لمنع تقدمها صوب أوكرانيا ، وهاجس أصاب العاصمة " كييف " بسبب اقتراب " فاغنر " من حدودها ، و رعب رافق الغرب الامريكي أيضا بعد علمهم بزحف " فاغنر " تجاه الحدود البولندية و الأوكرانية ، الأمر الذي يضع شخصية " بريغوجين الذي يتمتع بشخصية شعبية روسية وطنية كبيرة تحت مجهر عدة محاور بنفس الوقت – روسية ، أوكرانية ، بولندية ، غربية أمريكية - ،تجعل من وسائل الاعلام الدولية توجه أصابع الإتهام ذات اليمين و ذات الشمال من دون أدلة دامغة ، ومن دون انتظار نتائج تحقيق لجنة تحقيق الحقائق التي شكلها قصر " الكرملين " فورا ، و رغم حادثة اغتيال بريغوجين سواء كانت مفتعلة أو تقنية ، فأن تنظيم " فاغنر " التزم الهدوء وخالف توقعات الرئيس البيلاروسي لوكاشينكا بإحتمال هيجانه و تمرده من جديد ، والعملية الروسية الخاصة التحريرية الاستباقية الدفاعية التي انطلقت بتاريخ 24 02 2022 مرتكزة على مادة ميثاق الأمم المتحدة رقم 751 لازالت عاملة ، وتحقق نجاحات كبيرة في أرض المعركة ، وعلى المستوى السياسي دوليا بتشكيل عالم متعدد الأقطاب مناهض لأحادية القطب بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية المرشح للتشقق و الإنهيار خاصة بعد رغبة الإتحاد الأوروبي بالأنفصال عن أمريكا ، و حدوث انقسامات داخل أوروبا أيضا ، و الصين تعي خطورة استهدافها عبر " تايوان " من خلال استهداف روسيا من قبل أمريكا و الغرب أكيد .
ليس معقولا و ليس من مصلحة موسكو التخلص من بريغوجين وهي التي حاورته بعد تمرده الأخير عليها بسبب ملاحظاته على قيادته العسكرية العليا ، و نقلته من بيلاروسيا الى أفريقيا ، والى سانت بيتر بورغ ، وهو ، أي بريغوجين ، الذي صرح من أفريقيا بأنه يعمل هناك لتحقيق مجد لروسيا ، و ليشعر الأفارقة بالحرية بعد مساعدتهم بمطاردة الإرهاب على أرضهم ، و يصعب الإعتقاد بأن طائرات غرب أوكرانيا المسيرة المصنعة في الغرب هي من استهدفت بريغوجين ، ولا تملك " كييف " صورايخا داخل الاراضي الروسية من شانها تحقيق نفس الغرض ، و أيدي بولندا بعيدة عن الميدان الروسي الداخلي ، و لا حضور للغرب الأمريكي اللوجستي وبقوة فوق الاراضي الروسية يمكن ملاحظته للوصول لمثل هكذا اهداف مثل تصفية بريغوجين ، و احتمال وجود خلاف على زعامة " فاغنر " داخل التنظيم نفسه وارد ، و لا يجوز استعجال توجيه الإتهامات لأي جهة أو جانب .
و موسكو تنتظر الانتهاء من عمليتها العسكرية عندما يقتنع التطرف الأوكراني بقيادة التيار البنديري ، وكذلك نظام " كييف " السياسي بأن المعركة انتهت ، و بأن نصر روسيا تحقق عسكريا و سياسيا ، و عندما تقتنع أمريكا بتوريطها لنفسها و للغرب ، لخمسين دولة ، و (لكييف) العاصمة في حرب ما كان لهم أن يزجو أنفسهم فيها ، و بأن لا مخرج للجدل حول سيادة أوكرانيا خارج الحوار ومن دون الوصول لإتفاقية ما بعد الحرب ، لسلام الأمر الواقع ، لدولة غرب أوكرانية و عاصمتها " كييف " من دون ( القرم و الدونباس ) ، و الدولة المنتصرة مثل روسيا العظمى هي من تفرض شروطها بطبيعة الحال ، و الحرب بالنسبة لها هي مؤامرة عليها بالكامل ، و التاريخ المعاصر شاهد عيان عندما هاجمت اليابان الأتحاد السوفيتي نهاية الحرب العالمية الثانية 1945 ، و خسرت جزر " الكوريل " و الى الأبد ، وهكذا هو حال روسيا مع الغرب الامريكي و " كيييف " العاصمة في حربهم التي تسببت حتى الان في خسرانهم ( القرم و الدونباس ) الى الأبد ، و القادم أصعب على أوكرانيا " كييف " اذا ما استمرت العملية / الحرب .
لقد هاج وماج الاعلام الغربي فرحا بعد حادثة اغتيال " بريغوجين " ووجه سهام الإتهامات لموسكو فورا ، وهو توجه أيدولوجي يشكل جزءا من نشرها المبرمج للفوبيا الروسية وسط أركان العالم ، و للحرب الباردة ، و لسباق التسلح ، و بهدف تشويه صورة روسيا الخارجية ، و لزعزة نظامها الداخلي و صورته أمام شعوبه ، وهو المستحيل ، و روسيا الإتحادية من يعرفها من الداخل يتأكد له بأنها الأكثر التزاما بالقانون الدولي عالميا ، و بأن لديها قناعة حل الأزمات الدولية من خلال مؤسسات القانون الدولي مثل " الأمم المتحدة ، و مجلس الأمن ، و المحكمة الدولية ، و حقوق الأنسان ، و محكمة الجنيات الكبرى قبل اختراقها من قبل أمريكا و الصهيونية العالمية ، و ليس بدفع السلاح و المال الأسود و بحجم تجاوز ال 200 مليار دولار ، و هي الأموال التي لم توجه حتى لإعادة اعمار أوكرانيا المحتاجة اليه قبل أي دولة عانت من الحروب على خارطة العالم ، و الحرب الغربية بالوكالة الجارية فوق الأرضي الأوكرانية و الروسية تستهدف أوكرانيا و روسيا والصين وكل دولة عالمية ناهضة ، وهي حرب ثالثة تقليدية عسكرية ، لوجستية ، اقتصادية بالوكالة ، و البشرية ليست محتاجة لها بقدر حاجتها للسلام و التنمية الشاملة ، وعلى الغرب الأمريكي رفع يده عن الحرب التي بدأت بواشنطن العاصمة ، وهي المرشحة الى جانب الغرب للمحاكمة و ليس روسيا بعد عقد لجنة تقصي حقائق دولية محايدة .