مصر والأردن .. ومستقبل الجسر العربي
ياسر دياب
26-08-2023 08:19 AM
لم أغادر سنوات الصبى بعد - حين توفي الحسين بن طلال رحمه الله، وطيب ثراه، وأطال الله في عمر نبتته اليانعة الفواحة جلالة سيدنا الملك عبدالله الثاني ابن الحسين.
حينها اتشحت النسوة في قريتي بالسواد، وسائر قرى الدلتا وصعيد مصر، وأغلقت محطات الإذاعة، وشاشات التلفاز ،كعادة المصريين في حدادهم على عزيز لديهم فقدوه، وأي عزيز هو ؟! ...فقد كان بمثابة العائل لآلاف الأسر التي يعمل أربابها في ربوع المملكة .
راودتني تلك الذكرى عقب ما قرأته عن طالبة التوجيهي المصرية بالمفرق، وحفاوة الأردنيين بها ، وكم الحميمية في تعليقات مواقع التواصل التي أسرت خواطرنا.
وقد ملكت اردن النشامى -ولا زالت - لباب آفئدة المصريين المقيمين بها وفتحت مجالات الحياة ، والعمل لهم ،وإمتزجت دماؤهم بدماء أهلها ،وعرقهم بترابها الزعفراني المبارك .
عزيزى القارئ ليس مبتغاي سرد قصة العشق (المصرية -أردنية) المعطرة بالعرق ؛فتلك تشهد عليها أرصفة الدواوير، وكل حجر في نهضة أردنا العامر، وليس ثمة من براهين على حب الأخوة بعضهم ،ولكن ثمة علامات على خروجهم من رحم واحد...
إن أواصر الإخاء بين القطرين ممتدة وضاربة في عمق الزمان والمكان بين العشائر والعائلات في ترحالهم المتبادل القديم ، والمصاهرة المستمرة ،مرورا بأم الصلات بينهما (العمال والطلبة ) هنا و هناك، مرورا بإتحادهما وتضامنهما في أوقاتهم العصيبة، وتقاسمهم كسرة الرخاء سويا، وصولا إلى وحدة رؤى الزعيمين وأهدافهما المشتركة في الكثير من الملفات التي تواجه تطلعات البلدين في نشر السلام ومقاومة الإرهاب الذي يهدد كلا الشعبين والمنطقة.
وفي إطار العلاقة الاستراتيجيَّة والأخويَّة الوثيقة التي تجمع جلالة الملك عبدالله الثَّاني بأخيه فخامة الرَّئيس عبد الفتَّاح السِّيسي، ووحدة الرُّؤية المشتركة للبلدين الشَّقيقين بأنَّ الاستقرار في المنطقة والعالم لن يتحقَّق سوى بإيجاد الحلِّ العادل والشَّامل والدَّائم للقضيَّة الفلسطينية في إطار الإجماع الدَّولي على حلِّ الدَّولتين، الذي تقوم بمقتضاه الدَّولة الفلسطينيَّة المستقلَّة ذات السِّيادة الكاملة على خطوط الرَّابع من حزيران لعام 1967م، وعاصمتها القدس الشَّرقيَّة، وفي سياق وإطار يحافظ على الوضع التَّاريخي والقانوني القائم للقدس والمقدَّسات الإسلاميَّة والمسيحيَّة فيها.
وتقف مصر وقيادتها تقديراً للدَّور المركزي الذي يقوم به جلالة الملك عبدالله الثَّاني في إطار الوصاية الهاشميَّة على المقدَّسات الإسلاميَّة والمسيحيَّة في القدس التي ينهض بها جلالته بكلِّ أمانة ومسؤوليَّة واقتدار باعتباره الوصي على هذه المقدَّسات، وعلى الجهد الكبير الذي يبذله، وعلى تحيَّة وتقدير هذا الدَّور، وضرورة مساندته عربيَّاً وإسلاميَّاً ومسيحيَّاً للمحافظة على الوضع التَّاريخي والقانوني القائم في القدس والمقدَّسات الإسلاميَّة والمسيحيَّة فيها، كما ترحب الأردن بالدور المصري وبتوجيهات الرئيس السيسى فى جمع الفرقاء والفصائل الفلسطينية ونزع فتيل التوتر بين المتحاربين وجهود إعادة إعمار غزة مؤخراً.
إن ثمرة التعاون بين الدولتين الشقيقتين ستجنيها كل شعوب الأمة العربية في طرفيها الأسيوى والأفريقي بمعية دولة الإمارات ومملكة البحرين والعراق ، معتمدين على ثالوث جبار من (الكتلة البشرية الكبيرة لمصر والموقع الجغرافي للأردن والموارد العراقية والإستثمار الإماراتى والبحريني، وخير مثال على ذلك عائد النفع المباشر وغير الآجل في المشروعات الأكثر أهمية ؛ شركة الجسر العربي للملاحة ،والربط الكهربائي بين البلدين ،وإنجاز خطي النفط الثلاثي (العراق -الاردن-مصر)،وخط الغاز الثلاثي ،والتعاون فى مجال التصنيع، ومواد البناء ،وإدارة الموانئ، والمناطق الحرة، وحل مشكلة الإسكان وغيرها من مخرجات اجتماع اللجنة العليا المشتركة فى دورتها الحادية والثلاثين .
ونحن إذ نثني على هذه التلاحم فإننا نطالب حكومة البلدين بالمزيد في سبيل دفع عجلة التعاون المرتكزة على التكامل الاقتصادي والسياسي بمقومات جيوسياسية وديموغرافية هائلة حباها الله لهما، ويدفع باتجاهها الزعيمان الشقيقان في ظل ظروف إقتصادية تواجه البلدين مؤخراً مع تنامي الأزمة الأوكرانية ونتائج الحرب فى سوريا والسودان عليهما.