رغم مضي اكثر من عام على نهاية الأزمة مازالت المجتمعات الانسانية الحية مطالبة أن تجدد نفسها، سيما وان جائحة كوفيد-19 فرضت على الدول تغيير طرق العمل والعيش والتواصل على المستوى العالمي، بشكل مفاجئ ودراماتيكي. ان التركيز على التعليم العالي يظهر لنا كيف ان مؤسساته شهدت مجبرة تحولات جذرية مدفوعة بالحاجة إلى رقمنة عمليات التعليم والتدريب في وقت قياسي لتأهيل الأكاديميين الذين يفتقرون إلى القدرات التكنولوجية الفطرية للتدريس عبر الإنترنت.

في وقت يتوجب فيه على النظام الجامعي أن يسعى جاهدا للتغلب على هذا التحدي ليكون قادرا على المنافسة وتوفير تعليم عالي الجودة في سيناريو التحول الرقمي، والابتكارات التكنولوجية ، والتغيير المتسارع. ولتحقيق هذه الأهداف، كان على الجامعات مواجهة بعض العوائق والتحديات ، بالإضافة إلى الموارد والمنهجيات التكنولوجية التي استخدمتها في السيناريو الذي فرض نفسه بعد الجائحة لايجاد رؤى مهمة يمكن تطبيقها على رقمنة التعليم في المستقبل المنظور.

كإن الاضطراب الناجم عن جائحة كوفيد-19 غير مسبوق، وقد أحدثت التدابير الاقتصادية والاجتماعية الناتجة تغييرا هائلا للتخفيف من انتشار الفيروس، فرضت الحكومات في جميع أنحاء العالم إجراءات التباعد الاجتماعي، وعمليات الإغلاق، ووقف الاتصال الشخصي خارج الأسر المباشرة. وبالتالي كان للوباء تأثير هائل على النشاط التعليمي، وأنظمته بأكملها من التعليم الابتدائي إلى التعليم العالي وفرض عمليات تحويل النشاط بالكامل إلى سيناريو التدريس والتعلم عبر الإنترنت. وفقًا لليونسكو، علما انه تم إغلاق مؤسسات التعليم العالي بالكامل في 185 دولة في نيسان 2020، مما أثر على أكثر من مليار متعلم حول العالم.

عطلت الجائحة الوضع الطبيعي ، واحدثت تحولًا جذريًا في التعليم والتدريب، وكان التعليم العالي احد ابرز القطاعات التي شهدت تحولًا رقميًا جذريًا. حيث أدى الإغلاق القسري المفاجئ للجامعات إلى دفع الأكاديميين والطلاب إلى "تضاريس غير مألوفة" بسبب الحاجة إلى التكيف بسرعة مع متطلبات التعلم الإلكتروني الكاملة وقد اوجب هذا التغيير المفاجئ من الجامعات أن تطور من قدراتها لاستيعاب سيناريو التدريس عبر الإنترنت في وقت قياسي، وتنفيذ وتكييف الموارد التكنولوجية المتاحة وإشراك الأساتذة والباحثين الذين يفتقرون إلى القدرات التكنولوجية للتدريس عبر الإنترنت. ووجب أن يكون النظام الجامعي قادرا على توفير التعليم الجيد في سيناريو التحول الرقمي، والابتكار التكنولوجي ، والتغيير المتسارع في الإطار التعليمي،حيث شكل ظهور الابتكارات الفورية والمخاطرة وعدم اليقين، فرصا لجلب المواهب والابتكار إلى نظام التعليم.

لقد فرضت الابتكارات الى تغير اتجاه التعليم والتخلي عن النماذج القديمة بطرق غير متوقعة، حيث بذلت جهود مبتكرة منذ البداية على تحسين النموذج الكلاسيكي ومن ثم توفير طرق جديدة متطوره. حل الابتكار التعليمي الجديد محل المنهجيات السابقة كذلك أساليب نقل المعرفة من خلال فتح بدائل جديدة للتعلم، كما تم اضافة تطورات جديدة في أنظمة التعليم من خلال تكنولوجيا المعلومات والاتصالات.

اعتبر هذا المتغير التعليمي كلاً من الطالب والأستاذ محركين اساسيين للتعلم لتعزيز منهج مفتوح مدعوم بالتعليم الرقمي الجديد، كما انطوى على ابتكار أساليب جديدة في التدريس؛ كتطوير مواد وآليات ومساحات تعليمية جديدة؛ ومن ثم التحول في تفعيل دور الطلاب وطريقة استيعابهم واستخدامهم للمعرفة التربوية. وهناك قناعات في التجارب الناجحة ان هذه الاضافات النوعية المفروضة على التعليم تلبي احتياجات الطلبة الحاليين بالإضافة إلى الخدمات المتاحة حاليًا ومع ذلك، يجب أن يعتمد الابتكار والتحول التعليمي الناجح على الاستدامة والنطاق والحجم إن التحول الناجح للجامعات من أنظمة التعليم القديمة يجب أن يعزز ثقافة المشاركة والتفاعل بين الاساتذة والطلاب، وتعزيز اتخاذ القرارات القائمة على الأدلة والتقييم الشفاف للنتائج ذلك بسبب ان الوضع الطبيعي الجديد الذي خلقه الاضطراب الذي أحدثه فيروس كورونا ادى إلى تسريع التحرك نحو التدريس عبر الإنترنت، يتضمن السيناريو الحالي تحولًا تربويًا سريعًا من جلسات الصفوف التقليدية إلى جلسات الدراسة عبر الإنترنت، ومن التعليم الشخصي إلى التعليم الافتراضي، والندوات إلى الندوات عبر الإنترنت ،حيث ادى تأثير الوباء إلى فرض حقبة من التحول التكنولوجي الجذري، مع تسريع التحول الرقمي إلى نظام التعليم العالي في جميع أنحاء العالم. نظرًا لأنه يجب على الجامعات إعادة التفكير بجدية في عروضها التعليمية وإعادة تصميمها لمواجهة هذا الوضع الجديد، سيما وإن التأثيرات المدمرة لـ Covid-19 لم تخلق فرصًا خصبة لتحويل مؤسسات التعليم العالي فحسب، بل خلقت أيضًا صعوبات وتحديات في هذه العملية