على الميدان .. يا ابو حميدان
د. صبري ربيحات
23-08-2023 10:26 AM
اذا كنت عائدا من الشمال على الطريق السريع الواصل بين الرمثا وعمان وقبل ان تصل ثغرة عصفور بقليل وبعد معصرة الزيتون بمئات الامتار انظر إلى يمين الشارع ستجد تحت شجرة لزاب عملاقة رجل ثمانيني وجهه من ملامح الارض وصوته مشبع بالحب للحياة وللناس تجلس الى يمينه سيدة وقورة مثل امهاتنا.
العم محمود بني مصطفى " ابو حميدان " يجلس على الأرض التي احبها وامامه عشرات عبوات الفواكه التي جناها من كرمه المجاور. أكوام الخوخ والتين والعنب التي احضرها الى محطة العرض التي تاخذ مكانها تحت اشجار الصنوبر واللزاب التي اصبحت مضلته الطبيعية.
اليوم كان من محاسن الصدف ان اقترح المهندس محمد مشخوج رفيق رحلتي الى اليرموك ان نتوقف أثناء عودتنا الى عمان للسلام على العم محمود ابو حميدان الذي اتخذ من هذه النقطة القريبة من مزرعته موقعا لعرض الفواكه البلدية على طريقة الآباء والاجداد.
لا يوجد في حديث ولا سلوك ابو حميدان ما يوحي بأنه صاحب متجر او باحث عن ربح فالرجل يستقبلك بابتسامة عفوية تفصح عن مشاعر أخوة ومحبة ونظرات لا تجدها الا عند العرب المتحفزين لخدمة من حلوا على ديارهم .
مثل خبراء الاتصال والتنمية البشرية يسألك الحاج ابو حميدان عن اسمك وبلدك ويسألك عن اذا ما كنت تعرف اشخاصا مروا عليه في رحلة العمر الطويلة.
يقدم لك العم محمود بعضا من الفواكه كضيافة يصر عليك ان تتذوقها دون أن يطلب لك ان تشتري او يحاصرك بعروض كما يفعل بعض الباعة الجدد على طرقات مدننا وبلداتنا ...
قريحة ابوحميدان الشعرية وحجم الزهو والفرح الذي يتطاير من عيونه مظهر من المظاهر التي لا يمكن لك ان لا تلاحظها .فهي تتبدى في صوته وفي خياراته للنصوص وما تحمله من معان خصوصا عندما ينشد اشعار الدماني وابو زيد الهلالي وعشرات الأبيات التي يحشوها في سياق احاديثه الجميلة.
الوقفة التي اعتقدنا انها عابرة امتدت اكثر مما توقعنا فقد عرف اني من الطفيلة واخذ يحدثني عن بعض الرجالات الذين رافقهم او زاملهم وعن زيارته لحمامات عفرا وجودة مياهها والمقلى الذي كانوا يستحمون فيه قبل اكثر من نصف قرن.
سألني العم محمود عن اهتماماتي الزراعية وحدثني عن مهاراته في تقليم للاشجار التي قال انه نجح في تشذيب الأشجار لتصبح كالفناجين..
دعوته لزيارة مزرعتي ومساعدتي في التقليم والتطعيم وقد قبل دعوتي وكلفنا الفنان الرفيق شافع السيبراني من ابناء المنطقة بتنسيق الزيارة عند موسم التطعيم.
لا أجد كلاما كافيا ومعبرا عن سعادتي بلقاء هذه الشخصية المحترمة التي حولت تراب ثغرة عصفور الى فاكهة لذيذة وحولت الطريق العام الى منتدى ثقافي وبيت كرم ومحبة
الشكر كل الشكر لصديقي الجديد العم محمود بني مصطفى على كرم خلقه وطيبة قلبه ومواطنته التي لا يشوبها قلق ولا يرافقها تشدق فهي صافية نقية طبيعية مثل سمرة وجهه وبياض لحيته ولا يغلفها اي شعار غير حب الارض وخدمة أهلها . لقد احييت في نفسي جمالا طبيعيا يصعب وصفه. فأنت مثال من أمثلة الاردن الذي احب.