إذا كان التشخيص وسيلة قياس معرفة بمقاييس الحدود، وكان التجريد اداة إستدلال تُعرف بالإستنتاج وتضيف للصورة المُستخلصةَ ضِلع التجسيد وكان القلم يُشكل تلك الضابطة الوازنة للإيقاع بين منهجية التَقليم وأداب التثقيف فإن الحقيقة المُستخلصة تكون غير مُطلقة بل نسبيةَ كَونها تقع ضِمن ميزان المعرفةَ القويم الذي يتأرجح بِحكم حركة الحياة بداخله ولا يثبت الإ عند سكونها حيث النهاية التي لا منتهى لها بالعلوم الكونيةَ، وذلك لأن الكون يحوي مليارات المجرات وترليونات النجوم، فما بالك بالكوكب الذي يدخل بأنماطها وهو ما يؤكد أن ميزان الحركة دائم وأن مسألة التغير تقوم على التنقل، وستبقى على هذا الحال إلى أن يشاء الله.
ولأن بيان المعرفة يتشكل من أداة الوزن وميزان البيان، وترسم تصوراتها وحدود ضوابطها بواقع التضاد بين المرجعية القيمية وصورة التجسيد فإن العلوم الإنسانية تتشكل بين الوحي القيمي والصورة التجسيدية، هذا ما يبينه النموذج القائم في معادلة الحياة، فالإنسان كما الجبال والأبحار تعرف من باب التشخيص كونها جمعياً تحوي على نظم محددة ذات أطر بائنة أما الإنسانية فهي مرجعية قيمية تعرف بالإستدلال كما يعرف الصوت والضوء وما بينها من آفاق بالسمة الوصفية الدالة عليها وتظهر للعيان نتيجة فعل عبر صدى أو ظاهر نتيجة.
وحتى لا نغرق بعلوم الفلسفة ونبحر بمنطق التكوين فإن علم أتباع هذه المنطقيات المبدئية تأتي عبر نماذج عمل حياتية وتتطلب من الحكيم الوقوف عند السبب بدواعيه الذاتية وحواضنه الموضوعية من دون الإغراق بتفاصيل المسبب لدواعي التشخيص بل بالوقوف عند الأسباب الكامنة في مدخل التجريد هذا لأن طرفي هذه المعادلة تشكل بأركانها أداة قياس صحيحة في حال ترافق المسبب مع السبب بذات التعليل وحملت نتائجها إستخلاصات مفيدة بالمعنى الضمني كما بالشكل الكلي.
وهو ما يمكن إسقاطه على معادلة أخرى فى ميزان التقييم عند تحديد حواضن الإنطباع وبناء أوزان الحقيقة لأن الحقيقي بهذا المقام أداة تجريد بينما الإنطباع يشكل بكل حواضنه وسيلة تشخيص تقوم على نموذج الحركة وآلية التحرك بينما تعتبر الحقيقة حالة قيمية وصفية وأداة تجريدية تبنى من الباطن من وحي الإستدلال ولا تعرف بالظاهر من واقع محددات تشخيصية وهو ما يجعلها كامنة وأن كانت مكتوبة يقرؤها العموم ويعرف ماهيتها الخصوص.
وهذا ما يجعل المرء يعيش حياته بحركة دائمة أما تحت ضغط أو يرزخ تحت معاناة فإن كان تحت ضغط جاءت أحماله معلومة نتيجة تطلع يريد تحقيقه أوطموح يريد إحقاقه بهدف تحقيق الذات ونيل المراد وإن إتخذت حياة المرء طور آخر فإنها تحمل طابع المعاناة (مرضية كانت او مادية) لكنها بالغالب تأتي لإكتساب معرفة أو جني حكمة وهو ما يجعله أقوى وأكثر صلابة وأوسع إدراك ومعرفة كونها تدخله بإمتحانات تفيد التعلم أو في اختبارات تضيف إليه إكتساب مهارة التكيف من الباب الخشن حيث القساوة أو من المدخل الناعم حيث الغرائز.
فإن قام المرء بإجتياز هذه المرحلة رفعته الأقدار إلى منازل أخرى لتعود من بعد ذلك ختبارات الحياة للعمل من جديد وتحمله احمال مضافة من ناتجة من مسؤوليات عن تلك المنزلة التي وصل إليها، وتستمر عجلة الحياة بالدوران ويستمر معها المرء بالتفاعل بشعوره وأحاسيسه لتبقيه الحياة في شغل دائم وإنشغال مستدام الى أن ينتقل من الحياة الدينا إلى الحياة العليا حيث الراحة الموعودة ..
هذا لأن الحياة بكل مافيها هي مجموعة من مراكز للطاقة تحتوي على محطات إستقبال كما تحوي على مراكز إرسال وما بينهما لا يوجد الإ موصلات ناقلة تتحرك ذاهبا وإيابا بمجالات مبينة بواسطة موجات موصلة ضمن ميزان التضاد الذي بدوره يحفظ توازن الأجسام عبر معادلة حركة الحياة القائمة بين على مجالات التنافر ومراكز التجاذب الذاتية والموضوعية.
وهو ما يجعل الإنسان يعيش فى حركة دائمة ويتخذ أشكال تجسيدية متعددة لوحات تعبيرية تعكس بظلالها على كل منزلة يعيش فيها من لحظة بداية الإدراك إلى منزلة صوت المنطوق وفي إتجاه مسارات الفعل حيث العمل والحركة.
فإذا كان البصر ثنائي الأبعاد والبصيرة هي من تجعله يمتلك ثلاثية الأبعاد من باب الإستدلال التجريدي الواصل للعلوم العقلية عبر المعرفة فإن قلم التشخيص المرئي لن يكون قادراً على تحقيق حالة التصور الكلية من دون دمج موجة التشخيص الحسية بعامل التجريد الإدراكي ... وهذا ما يجعل حياة الانسان تدور دائماً بين منطوق الفهم وعناوين الإستنتاج وهو ما يبرز على السطح معادلة الشك واليقين.
وهذا مرده إلى ذلك المضمون التجريدي الذي يقوم على الدلالة المعرفية حيث النسبية ولا يقوم على التجسيد الحسي، الذي يظهر اليقين الحاضر الغالب في معادلة بيت القرار الإنسانية حيث "البال" هذا لأن الإدراك في هذا المقام يأتي مع منظور الدلالة وليس من منطوق العبارة.
فالظلم لا يرى كما العدل لا يشاهد لكن يمكن الإستدلال على المظلوم من الدافع وبيان العدل من وحي ميزان رضى تماماً كالصلاة التي لا يمكن مشاهدتها لكن يمكن رؤية من يصلي أمامك هذا لأن العدل والصلاة والظلم والإنصاف جميعها تحمل مقاييس تجريدية تقوم على الإستدلال ولا تقوم على التشخيص إلا عند بداية تشكيل صورة العبارة وهو ما يجعلها تحمل مقاييس مستترة العناوين كما يجعلها تخلط عنوان الحقيقة الحسية عند الإنسان مع الصور الإنطباعية ذات الأبعاد التقديرية عن التقييم وهو مبتدأ العبارة الذي أُريد إيصالها.
وأما الخبر فأنه يأتي من ميزان الحكم الذي يقوم على الإحتكام التجريدي فإن ميزان الإصدار يجب أن يحمل العدل قوامه وهو لا يستقيم من واقع يقوم على البصر بل يتأتى من جملة البصيرة التي لابد أن تنسجم بالمفهوم التجريدي مع قيم العدالة التي هي قوام الحكم على المشاهد وهو ما يجعلها تندرج في الاطار النسبي وليس في العنوان المطلق للحقيقية، فهل ما يتم تشكيله في ابواب الصناعة المعرفية يقودنا لهذه العناوين مع وصول هذه العلوم المعرفية الى منازل وصلت للبعد "الرابع" في استخلاص الحقائق وبيان الحقيقية؟!، هذا ما ستجيب عنه مسرح الابتكارات لهذه العلوم في عصر بات يميزه الذكاء الاصطناعي والبعد الرابع بمضمون الاحتكام .