في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة لا يكفي اطفاء الحرائق لأن الرماد الذي تخلفه ليس أقل سوءا، وأي من جهد ينبغي أن يبذل سوى في التركيز على تحقيق الاستقرار المالي والنقدي المستدام.
يقول الاقتصاديون إن السياستين المالية والنقدية يجب ألا تكونا متناغمتين، بمعنى أن المطلوب من السياسة المالية أن تتوسع في مواجهة التشدد النقدي والعكس.
هذه النظرية ليست صحيحة دائما وخصوصا في ظل الازمات الاقتصادية، وفي هذه الحالة يكون الاقتصاد مثل الطائر إن اختل أحد أجنحته فمصيره السقوط أو على الأقل فهو لن يصل إلى هدفه لأن الريح ستعلق به وتاخذه الى اتجاه آخر.
والحالة هذه يمكن القول ان النجاح في تحقيق الاستقرار المالي (ضبط العجز وادارة متوازنة للدين العام) والاستقرار النقدي (استقرار اسعار الصرف وضبط التضخم) يعود إلى التناغم الملحوظ بين السياستين المالية والاقتصادية.
يهدف برنامج التحفيز الذي وضعته الحكومة إلى رفع نسبة نمو الاقتصاد الوطني إلى ٥٪ بالأسعار الثابتة في نهاية مدته اي عشر سنوات في هذه الحالة لا يقع تحقيق هذا الهدف على وزارة المالية التي يجب ان تبقى عينها مفتوحة على العجز في الموازنة لان الخلل فيه يقود الى توسع المديونية والعجز عن تمويل الانشطة الحكومية خصوصا الخدمات.
تحقيق هذا الهدف هو مهمة القطاعين العام والخاص، ولكل دوره في هذا الخصوص.
برنامج الإصلاح الاقتصادي المتفق عليه مع صندوق النقد الدولي، يهدف بالدرجة الأولى إلى تحقيق الاسـتقرار الاقتصادي والمالي، وما يعنيـه ذلك من إصلاحات هيكلية مثل سد عجز الموازنة العامة، وتخفيض المديونية كنسبة من الناتج المحلي الإجمالي، وزيادة الصادرات الوطنية وثبات سعر صرف الدينار تجاه الدولار، إلى آخره.
هل تستطيع الحكومة أن تأخذ على عاتقها البرنامجين معاً، بالرغم من التناقض بين السياسات والإجراءات التوسعية المطلوبة لتحفيز النمو، والسياسات والإجراءات الانكماشية اللازمة لتحقيق الاستقرار.
في مجال تحفيز النمو، وضعت الحكومة برنامجاً تفصيلياً يقتضي تمويل استثمار مشترك بين القطاعين يصل حجمه مع نهاية سنوات الخطة إلى ٤٠ مليار دينار والحكومة تراهن على القطاع الخاص.
ليس من المقبول أن يأتي المال المطلوب من الخزينة أو جزء منه إذا كان الثمن بالتضحية بهدف الاستقرار والإصلاح الاقتصادي، لأن معناه زيادة عجز الموازنة، والاستدانة ورفع المديونية ليس بالأرقام المطلقة فقط بل كنسبة من الناتج المحلي الإجمالي أيضاً.
طبعا نتيجة ذلك هو الضغط على احتياطي البنك المركزي من العملات الأجنبية، اي اننا في نهاية المطاف سنكون في مواجهة سياسة مالية تضر بالسياسة النقدية.
في ترتيب الأولويات، المطلوب تحقيق الاستقرار والأمان أولاً ولو عند مستوى متدنٍ من النمو مع انه يظل مطلوباً لكن على ألا يخل بالاستقرار وفي المنطقة أمثلة كثيرة تضررت فيها أسعار الصرف واتى التضخم على مكاسب النمو وغرقت في الديون وعانت عجزا عن السداد وما هو أكثر إن أبواب التمويل أغلقت في وجهها حتى المنح والمساعدات باتت مقيدة لأنها مشروطة بنجاح الإصلاحات.
تساؤلنا هنا ينطلق من أنه ليس صعبا أن تجمع الحكومة بين هذين الهدفين البرنامجين فتكون توسعية خدمة لهدف النمو، وتكون انكماشية خدمة لهدف الاستقرار المالي والنقدي.
يتحقق ذلك عندما تكون السياستان المالية والنقدية متناغمتين لا متنافستين!
الاستقرار المالي والنقدي قاعدة ذهبية للاستثمار ولتحقيق النمو.
qadmaniisam@yahoo.com
الرأي