ليس من الغريب أن نشاهد ونستمع إلى حملات التشويه التي تحاول النيل من الجسم الطبي الأردني، الذي يشهد له العالم بكفائته واحترافيته ونزاهته، فمن يهاجم الأطباء اليوم لا يحمل هما إنسانيا، بل هما ربحيا.
إن الأطباء في كل أنحاء العالم تتم معاملتهم دائما على أنهم الجيش الأبيض وخط الدفاع الحصين عن أرواح الناس، وتوفر لهم الامتيازات والرفاهيات التي تساعدهم ليس فقط على القيام بواجبهم بل على التطور والتقدم والنهضة والنمو.
لكن وللأسف، فنحن نشهد ومنذ سنوات تراجعا واضحا في أوضاع الأطباء، مهنيا واقتصاديا وكذلك اجتماعيا.
فالطبيب صار يكافح بعد سنوات وسنوات من الدراسة والبحث وبذل صحته وعيونه في رحلة العلم، صار يكافح لتأمين لقمة عيشه آخر الشهر، وأنتم أعرف مني بأوضاع الأطباء الخريجين ويصطدمون بواقع صعب، وظروف عمل قاسية تصل للمناوبة 36 ساعة متواصلة بمقابل راتب بعشرات الدنانير وأحيانا بلا مقابل.
وإنه لا يمكن لأحد أن ينسى أن الجيش الأردني الأبيض قدم ما قدم من الشهداء دفاعا عن الوطن وأبنائه من وباء كورونا، وأنه لم يمتعض ولم يتحدث ولم يطالب في ذلك الوقت بدينار واحد مقابل ما يفعل.
فالجيش الأردني الأبيض جيش إنساني لا يُسلّع الناس ولا يفاوض على حياتهم، وأما شركات التأمين فقد واصلت في تلك الفترة في استفياء الاقتطاعات من الناس على سياراتهم وتأميناتهم الصحية وغيرها، مع علمهم أنه لا يوجد أحد يتحرك بسيارته أو يخرج من بيته لمراجعة العيادات.
ومن المؤسف الاتهامات التي تطالنا نحن الأطباء من اتحاد شركات التأمين الذي لم يجرؤ حتى على الظهور عبر أي محطة إعلامية، والدفاع عن موقفهم واتهاماتهم للجسم الطبي، فالموقف الطبي واضح ولا لبس فيه، ولا مساس فيه للمواطنين على الإطلاق، فالحالات الطارئة سيُقدم لها العلاج فورا، وأما غير الطارئة فسوف يُحرر وصل بقيمتها لتتكفل به شركات التأمين، والحالات غير الطارئية أصلا تُجدول وتؤخر بالعادة على مدار أشهر.
وأما ما يطالب به الأطباء فهو فتاتٌ يقيهم قساوة العيش أمام أرباح طائلة تحققها شركات التأمين، وليس على المواطن أن يدفع فلسا واحدا زائدا، فالمعركة الحقوقية اليوم نخوضها مع التأمين وما يحققه من أرباح خيالية.
وأما الاتهامات بأن اللائحة الجديدة التي تطالب النقابة بتطبيقها ترفع الأسعار 400% وأن اللائحة تخالف القانون، فالبينة على من ادعى، وهو كلام لا أصل له ولا فصل، وعلى العكس، فقد انخفضت تسعيرة العلاج للحالات الأكثر شيوعا.
لقد ماطلت شركات التأمين منذ خمسة عشر عاما، وظل الأطباء يرزحون تحت كِسرة الخبزة اليابس التي تقدم لهم، فالاختصاصي الذي أمضى 40 سنة من عمره يكافح بين العلم والممارسة، يحصل على 6 دنانير من التأمين، ففي أي عرف وقانون يعد هذا عدلا! فيما تواصل شركات التأمين رفع أقساطها وتواصل تحقيق مرابحها الصافية الكبيرة، وتتهرب من الحوار وترفضه رغم إصرارنا عليه.
نحن الأطباء أصحاب المهنة الإنسانية، ولا يمكن بأي حال من الأحوال أن نعرض لا سمح الله أي مواطن لخطر، بل نحن أول من يفزع للأردن والأردنيين، وقد أثبتت الأيام ذلك وسنواصل التأكيد على ذلك.
ما أريد قوله كطبيب أردني شعاره الإنسانية، أننا نحن الأطباء نضع المواطنين على رأس أولوياتنا ولا علاقة لهم بأي شد وجذب يجري حاليا، أما محاولة البعض اللعب بوتر الشعبويات والتهويل للمواطنين على أن ما يجري يؤثر عليهم، فهو كلام مغلوط ومضلل ويحاول إبعاد العيون عن أرباحهم الخيالية وتجنيبها أي مساس.