مستقبل شركة الكهرباء الوطنية
عبد المنعم عاكف الزعبي
20-08-2023 06:28 PM
إحدى المؤسسات الأردنية التي تستحق التقدير شركة الكهرباء الوطنية.
فعلى نقيض الانطباع السائد بأن دورها محصور بالوساطة السعرية بين شركات التوليد والتوزيع، تلعب الشركة دورا وطنيا مهما في إدارة شبكات نقل الكهرباء، وتخفيض الفاقد الكهربائي، والتعاقد طويل الأجل مع موردي الغاز العالميين.
وحتى الدور الأشهر لها بالوساطة السعرية لا ينتقص من مكانة الشركة، بل يعززها، حيث مكنها ذلك من امتصاص صدمة الغاز المصري ما بين 2011 و2015 نيابة عن المواطنين والمستهلكين، وإن بمساعدة الحكومة التي كفلت قروضها.
أكثر ما هو ملفت في ملف شركة الكهرباء الوطنية استمرارها بالعمل رغم خسائرها المتراكمة التي تتجاوز 5 مليار دينار. أي أن الشركة مستمرة رغم كونها من منظور مالي وربما قانوني مفلسة أو خاضعة للتصفية.
طبعا لا بد أن وراء ذلك حكمة أو مبرر، خصوصا وأن معالجة الوضع المالي للشركة لا يحتاج أكثر من إجراء دفتري يتم خلاله نقل مديونية الشركة إلى مديونية الحكومة المركزية.
مثل هذا الإجراء، لو اتخذ، سيعيد الشركة "نظيفة" من الخسائر والمديونية، ولن يزيد الدين العام. فمديونية الشركة جزء من الدين العام أساسا، كونها تحت كفالة الحكومة.
يضاف إلى ذلك أن تصويب الوضع المالي والقانوني للشركة فيه مكاسب مهمة، مثل عودتها للعمل على أسس تجارية، وتمكينها من الاقتراض دون كفالة الحكومة. ولا ننسى أيضا الفائدة المعنوية المتحققة من إسدال الستار على ملف شائك عمره أكثر من 10 سنوات.
لماذا إذا كل هذا التأخير؟
بعض التفسيرات ترى أن الشركة قادرة على سداد خسائرها ذاتيا من خلال خطة لتحقيق الأرباح المستقبلية. بالمقابل، يري محللون بأن الوقت المناسب لم يحن لتصويب أوضاع الشركة، كون خسائرها مستمرة نتيجة دعم التعرفة واتفاقات الطاقة غير العادلة. أي أن مهمة الشركة بامتصاص خسائر قطاع الطاقة لم تنته بعد.
التفسيرات السابقة لها ما يدعمها، ولكنها لا تكفي لتبرير كل هذه السنوات من التأخير، ولا تسوغ التخلي عن المكاسب المتوقعة من تصويب الوضع المالي والقانوني للشركة. فتأثير الأرباح والخسائر المستقبلية على الدين العام واحد سواء استمرت الشركة بوضعها القائم أو تم تصويب وضعها المالي والقانوني.
الأرجح أن صانع القرار بفكر في خيارات أعمق من مجرد تصويب أوضاع الشركة أو نقل مديونيتها إلى الحكومة.
أحد هذه الخيارات أن تقدم الحكومة على ضخ مساهمة عينية أو رأسمال عيني في شركة الكهرباء الوطنية على شكل أراضي خزينة أو أصول حكومية. ضمن هذا السيناريو، يتم تصويب الوضع المالي والقانوني للشركة، لتتمكن بالتالي من إعادة تدوير جزء كبير من مديونيتها دون كفالة الحكومة، وبما سيخفض إجمالي الدين العام كقيمة مطلقة ونسبة للناتج المحلي الإجمالي.
الخيار الآخر أن تقوم الحكومة بنقل مديونية الشركة إلى شركة المساهمات الحكومية، وبحيث تقوم الأخيرة بحكم أصولها الضخمة ومواردها المتعددة بكفالة وخدمة هذه الديون عوضا عن الحكومة. هذا السيناريو أيضا يصوب أوضاع شركة الكهرباء الوطنية ويخفض الدين العام بقيمة انخفاض الكفالة الحكومية لمديونية الشركة.
هذه الأفكار والسيناريوهات تحتاج لدراسة معمقة ومباركة الجهات الدولية الدائنة مثل صندوق النقد الدولي.
إسدال الستار على ملف الكهرباء الوطنية لن يكون نزهة عابرة دون تحديات تسبقه وتبعات طويلة الأمد. ومع ذلك، حان الوقت لدخول هذا الملف قائمة الأولويات المعلنة للحكومة.