في محاولة مكشوفة للتنصل من مسؤولية إصدار الامر باغتيال الرئيس الليبي الراحل/معمر القذافي، وفي مسعى لتبرئة نفسه من تهمة الرشوة التي أدانته محكمة فرنسية بإصدارها حكماً غير مسبوق ضد رئيس فرنسي سابق في 7 أيار الماضي، والقاضي بالسجن 3 سنوات واحدة منها مع النفاذ, يوضع خلالها تحت المراقبة مع سوار إلكتروني بعد إدانته بالفساد واستغلال النفوذ، زعم الرئيس الفرنسي الأسبق/نيكولا ساركوزي رداً على سؤال من بين أسئلة عديدة, وفي مقابلة شاملة مع صحيفة «لوفيغارو» الفرنسية, بمناسبة صدور كتابه الموسوم «زمن النضال»: أنه «ليس الجهة التي إتّخذت قرار تصفية الزعيم الليبي، مشيراً إلى أن «التصفية» كانت «نتيجة عمل جماعي مُنسّق لقيادة حلف الناتو».
وإذا كانت واشنطن قد خوّلت ساركوزي كما رئيس وزراء بريطانيا/ كاميرون، مهمة البدء بقصف قوات القذافي وكل المطارات والمواقع العسكرية الليبية, بعد صدور قرار مجلس الأمن رقم/1973, معتمداً على قرار مجلس الجامعة العربية التي كان أمينها العام/عمرو موسى, بتخويل مجلس الأمن فرض حظر جوي على ليبيا, كقرار غير مسبوق عربياً، كانت إدارة أوباما قد ضغطت لتوفير غطاء «عربي» لعملية إسقاط نظام القذافي واستباحة ليبيا، فإن الجرائم التي ارتكبها المُستعمرون الغربيون بقيادة أميركية، ودائماً بمبادرة فرنسية/بريطانية وبغطاء من حلف الناتو قد كشفت من بين أمور أخرى عن جدول أعمال إستعماري غربي بتدشين مرحلة جيوسياسية جديدة، تبدأ بتعميم نموذج ما سمي زوراً «الربيع العربي»، وبما يُمكِّن إسرائيل من فرض هيمنتها على المنطقة, عبر نشر الفوضى والتأسيس لأنظمة جديدة عربية تنهض على أُسس عِرقية وأخرى طائفية/ومذهبية, واللعب على وتر الأقليات والـ«تكفير» عن خطاب سايكس/بيكو, الذي لم يلحظ أنه أسّس أنظمة «غير منسجمة», خلطت بين الأعراق والطوائف والمذاهب, آن الأوان لتصحيح تلك الأخطاء. خاصة بعد فشل مشروع «الشرق الأوسط الجديد» الذي تبنّته إدارة بوش الإبن, وأخذت كوندليزا رايس على عاتقها مهمة تنفيذه. بدءاً من لبنان في حرب العام/2006, وخصوصاً بعد الهزيمة النكراء التي لحقت بالجيش الصهيوني الذي لا يُقهر, فإذا به يُقهر ويُهزَم وما يزال يلعق جراحه حتى الآن.
ما علينا..
ساركوزي الذي ما تزال تلاحق تهم الرشوة وإساءة استخدام السلطة, وبخاصة محاولاته رشوة بعض القضاة وبذل وعوده لهم بترقيتهم وتمكينهم، حاول عبر نفيه أنه «أمرَ» بتصفية القذافي, الربط (غير الموفق) بين اتهامه بتصفية الزعيم الليبي, واختلاق أكذوبة أن أنصار القذافي أرادوا الانتقام منه (..) من خلال الإدعاء بأنه/القذافي موّل حملتي الانتخابية.
لم تجد مزاعم ساركوزي المُختلقة هذه صدى إيجابياً في الأوساط الفرنسية نفسها, عندما أراد إستغلال تلك المقابلة لتبرئة نفسه من الاتهامات التي لاحقته وما تزال, بتلقّي حملته الانتخابية الرئاسية عام 2007 اموالاً، ولم تنجح محاولات ساركوزي بعد ذلك, رغم كل ما بذله من جهود وما وظّفه بأمواله من إعلاميين ومُحازبين وساسة, كانوا في حكوماته السابقة في «تبييض» صفحته, حيث كان الحُكم الذي أشرنا إليه سابقاً بناء على تحقيق قضائيّ دام عشر سنوات، طالبتْ فيه النيابة العامة الفرنسية إحالة ساركوزي إلى محكمة الجنايات «مجدداً», في قضية تمويل ليبيا حملته الانتخابية الرئاسية.. خاصة أن القضاء الفرنسي في تحقيقه القضائي الذي استمر عشر سنوات, كان توصّل إلى أدلة جديدة حول تلقّي ساركوزي من مُقربين للقذافي مبالغ كبيرة للغاية, لتمويل حملته الرئاسية الأولى/ 2007 وأنه - ساركوزي - كان على عِلم بذلك.
ماذا عن قرار تصفية القذافي؟
ليس ثمة شكوك بأن ساركوزي هو الذي أمر قواته الجوّية, التي كانت تُطارد موكب القذافي المُتّجه نحو مدينة سرت، بقصف الموكب وتسليم القذافي لمن وُصفوا بـ«الثوار», كي يقوموا بقتله على النحو الوحشي وغير الأخلاقي وغير الإنساني الذي مارسوه بحقه. ولم يكن ثمة ما يؤشر إلى أن ساركوزي «إستمزج» الناتو بهذا القرار أو طلب ضوءاً أخضر منه. وإن كانت واشنطن..قائدة الناتو وصاحبة القرار فيه, لن تُبدي اعتراضاً على قرار ساركوزي أو تطلب التريث في تنفيذه, لـ«طلب الإذن» من جامعة عمرو موسى, التي ضربت عرض الحائط بميثاق الجامعة ورضخت لأوامرها بإصدار قرار منحَ مجلس الأمن «حرية» فرض حظر جوي على ليبيا، حيث قالت هيلاري كلينتون وزير خاجية أوباما (مُباشرة بعد قرار جامعة عمرو موسى) أن بلادها تريد من مجلس الأمن أن «يُجيز شن هجمات جوية على الدبابات والمدفعية الليبية, فيما أكد رئيس الوزراء الفرنسي/فرانسوا فيون, أن بلاده «تريد بدء التحرك العسكري فور إقرار مجلس الأمن الدولي القرار». أما أوباما فقد إتصل بساركوزي وكاميرون مؤكداً لهما أن قرار مجلس الأمن بفرض حظر جوي «يُجيز استخدام القوة ضد ليبيا».
فهل ثمة شكوك بان الضوء الأخضر كان «عربياً», وأن المُستعمرين الأنجلوساكسون هم الذين اغتالوا القذافي ونشروا الفوضى في ليبيا؟.
kharroub@jpf.com.jo
الرأي