"الحرب" احدى سيناريوهات الفشل الأمريكي
د.حسام العتوم
19-08-2023 09:03 PM
أقصد هنا الدور الأمريكي الأستخباري و السياسي و العسكري و الأقتصادي المباشر في " الحرب الأوكرانية " و الذي أسست أمريكا لجمرها تحت رماد انهيار الأتحاد السوفيتي عام 1991 ، و لاحقا عبر الثورات البرتقالية منذ عهد الرئيس الأوكراني الأسبق ليونيد كوجما عام 2007 ، ووسط انقلاب " كييف " غير الشرعي عام 2014 ليس لهدم نظام الرئيس فيكتور يونوكوفيخ ، أخر رئيس أوكراني موالي لموسكو ، و لكن لأقتلاع الحضور الروسي من وسط الأراضي الأوكرانية ، وكان بأمكان يونوكوفيج طلب الأسناد وقتها من روسيا للمحافظة على نظامه في " كييف " وحتى لا تندلع الحرب ، لكن التيار البنديري المتطرف جذف بأتجاه التخلص من روسيا و من العمق السوفيتي السابق ، و اتجه بأوكرانيا صوب الغرب و الأتحاد الأوروبي و حلف " الناتو " ، رغم عدم معارضة يونوكوفيج للانفتاح على الغرب و على الأتحاد الأوروبي ، لكن روسيا القطب و الدولة العظمى – جارة التاريخ لا و لم يناسبها بالمطلق اقتراب حلف معادي لها مثل " الناتو " لحدودها ، وهو الذي رفض عرضا روسيا بالأنضمام اليه طوعا عام 2000 ، و السيناريو الأمريكي الذي قاد خلفه 50 دولة غربية و شمال غربية ، اكتشفته الأجهزة اللوجستية الروسية مبكرا ، الذي تخللته انتاجات لمراكز بيولوجية خبيثة جهزت بتمويل مباشر من ابن الرئيس الأمريكي جو بايدن – هانتر بهدف نشر فايروس " كورونا – كوفيد 9 " في الفضاء الروسي و السوفيتي السابق ، و الأشتراك مع " كييف " في انتاج أكثر من قنبلة نووية مناهضة لروسيا ، و التطاول على خط الغاز " نورد ستريم 2 " ، و على جسر " القرم و أكثر من مرة ، و استهداف مراسلين صحفيين روس ، و الأعتداء على مدن و قرى حدودية روسية ، و تسيير طائرات مسيرة تجاه موسكو العاصمة و جسر " القرم " .
وجاء الرد الروسي حاسما باعادة اقليم " القرم " عبر صناديق الأقتراع و السيطرة العسكرية لاحقا ، وهو الأمر الذي فاجأ الغرب ، بينما اعتبرته روسيا عودة للأحقية التاريخية و الغاء لهدية الزعيم السوفيتي نيكيتا خرتشوف عام 1954 ، و راقبت روسيا حراك " كييف " تجاه أقاليم " الدونباس " بهدف ضمه لسيادتها قسرا على مدى ثمانية أعوام و متسببة في مقتل و تشريد أكثر من 14 الفا من الأوكران و الروس ، و استهادف غرب أوكراني للغة الروسية ، و للدين المسيحي الأرثوذكسي ، و للعلاقات الأجتماعية و الأقتصادية و السياسية و الدبلوماسية مع موسكو ، و تحركت الى هناك متأخرة عبر صناديق الأقتراع أيضا و عمليتها العسكرية الخاصة مرتكزة على المادة 751 من ميثاق الأمم المتحدة ، و قررت اعادة " الدونباس " وكان لها ذلك ، وهو الذي تعتبره اعادة لهدية فلاديمير لينين قائد الثورة البلشفية عام 1917 ، و تركت روسيا الباب مواربا حول " كييف " العاصمة لتقبل بسلام الأمر الواقع معها ، بمعنى القبول بغرب أوكرانيا من دون " القرم و الدونباس " ، و قررت أمريكا في خطوة خاطئة غير مسبوقبة و غير محسوبة بدقة استراتيجية الدفع بالسلاح و المال و بمبالغ وصلت الى أكثر من 200 مليار دولار لمساعدة " كييف " في اعادة سيادتها التي فقدتها عبر رفضها للحوار المباشر و عبر اتفاقية " مينسك " ، و عينها و الغرب على ديمومة الحرب الباردة و سباق التسلح و استنزاف روسيا و أوكرانيا و الصين معا .
وهل كان بأمكان أمريكا و الغرب عدم زج أنفسهم في حرب ليست حربهم ؟ نعم ، وكان بأمكانهم التمسك بالقانون الدولي عبر المؤسسات الكبرى مثل " الأمم المتحدة ، و مجلس الأمن ، و المحكمة الدولية ، وحتى هذه المؤسسات القانونية تم اختراقها أمريكيا ، و غيرها مثل محكمة الجنايات الكبرى ، و انقلب السحر على الساحر الان ، فبدلا من محاكمة روسيا أصبح المطلوب محاكمة أمريكا و الغرب معا على دفعهم بالسلاح و المال غير المشروع تجاه " كييف " المحتاجة فقط لأعادة البناء ، و ليس لمحاربة روسيا ، و الغريب هنا هو أن دولة غرب أوكرانيا و " كييف " تعتقد بأنها قادرة على تحقيق نصر على روسيا العظمى ، وهو سراب ، و يراهن الغرب بسذاجة ملاحظة على " كييف " لتحقيق نصر على روسيا هو أشبه بالسراب ، وهاهو رئيس بيلاروسيا الكسندر لوكاشينكا يحذر من التهام بولندا لغرب أوكرانيا ، و
وهو ما حذر بصدده الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ووزير دفاعه سيرجي شايغو ، و روسيا تحشد حسب لوكاشينكا 250 الف متطوع للقتال ، و تدفع بالسلاح الحديث الى ميدان المعركة ، و التي هي بالنسبة لها عملية عسكرية خاصة محدودة و ليست حربا ، و بأن حربها الحقيقية ان فرضت عليها لن تكون الا مع حلف " الناتو " و التي ستكون خاسرة لكل الغرب ، و تأكيد جديد للرئيس بوتين بأن بلاده روسيا تترك المجال للرئيس الأمريكي بايدن لكي يتصرف تجاه روسيا كما يشاء ، و لروسيا عندها حق الرد الفوري المناسب . وكان بأمكان " كييف " الأبتعاد عن الحرب بقبول الحوار و اتفاقية " مينسك " ، لكن كان يصعب على روسيا عدم تحريك عمليتها العسكرية التحريرية بوجه الحرب المؤامرة ، و التي بدأت من طرفه .
و التاريخ شاهد عيان على مسلسل الفشل الأمريكي و الغربي المتتابع عبر محطات عالمية سياسية و عسكرية مثل اسناد الأحتلال الأسرائيلي للأراضي العربية ، والعبث وسط القضية الفلسطينية العادلة بأزدواجية سياسية ملاحظة ، بحيث لا يتم الضغط على ( اسرائيل ) لمغادرة أراضي العرب وفقا للشرعية الدولية و قرارها 242 وبث رسائل اعلامية وهمية مساندة للقضية الفلسطينية في المقابل ، و الحرب الأمريكية في فيتنام ، و كوسوفو ، و العراق ، و سوريا ، و ليبيا ، و اليمن من دون دعوة ، و العبث في أموال الخليج 2017 ، و الخروج عن الحياد في الحرب العالمية الأولى و دخولها عام 1918 دفاعا عن أوروبا ، و المشاركة الوهمية في الحرب العالمية الثانية ، و اجتياح أفغانستان ، و حادثة 11 سمبتمبر المفبركة استخباريا عام 2001، و عبر نشر الفوبيا الروسيا في العالم و التغرير بدول عديدة في غرب العالم و شرقه بهدف اسناد مواقفها ، و اغراء العالم بالدولار غير المرتكز على مصادر طبيعية حقيقية ، و السيطرة على أركان العالم ، و أخيرا العبث من جديد بأوراق مؤسسة " البريكس " العالمية ، و هو الأمر الذي كشفه لنا الباحث ( حسن خزعل مهدي كهيه ) من العراق الشقيق في عمله الأكاديمي لجامعة مؤتة في ( الكرك) جنوب الأردن عبر رسالة ماجستير بعنوان " استشراف مستقبل مجموعة البريكس و دورها في اعادة صياغة النظام القانوني الدولي ، فماذا جاء فيها ؟
يرى الباحث حسن خزعل بأن هيمنة أمريكية تحدث في زمن تطور أعمال مجموعة " البريكس " العالمية ، و الرغبة في التحرر من التبعية للنظام الدولي المسيطر عليه أمريكيا ، و الحاجة لتحقيق فرص مرتفعة في منظمة التجارة العالمية و البنك الدولي و غيرها ، و التخلص من الأثار السلبية للأزمة المالية العالمية في العام 2008 ، و سيناريوهات محتملة للبريكس ، اولها المساهمة في التحول نحو اقتصاد عالمي ، و التحول نحو نظام عالمي متعدد الأقطاب عبر روسيا و الصين ، أو بقاء نظام أحادي القطبية و الهيمنة الأمريكية . و توضح الدراسة في المقابل كيف كان العالم متعدد الأقطاب بعد معاهدة ( ويستفاليا 1648 ) التي أسست لنشأة الدول القومية ، وكيف مر العالم بالثنائية القطبية الجامدة و المرنة الى أن وصل الى أحادية القطبية الذي تهيمن عليه الولايات المتحدة الأمريكية منذ انهيار المعسكر الاشتراكي بقيادة الأتحاد السوفيتي السابق في العام 1991 .و تتوقع الدراسة صعود نجم روسيا و الصين و دول أخرى في قطب واحد ، و مجموعة " البريكس " أعلن عن تأسيسها في روسيا عام 2009 ، و دعوة جديدة للرئيس بوتين ترحب بأدخال المملكة العربية السعودية كقطب عربي وازن في " البريكس " ، التي تمثل ( البرازيل و روسيا ، و الهند و الصين و جنوب أفريقيا ) وهي مؤسسة اقتصادية سياسية ثقافية . و تمتلك 40% من احتياط العالم في العملة الأجنبية ، و يعيش فيها نصف سكان العالم ، و ناتجها المحلي 21 تريليون دولار . وفي الختام وما بأمكاني اضافته هنا هو بأن روسيا الأتحادية التي حققت نجاحات كبيرة في عمليتها العسكرية التحريرية ، حققت نجاحات كبيرة على صعيد بناء عالم متعدد الأقطاب يمثل شرق و جنوب العالم ، مناهض لأحادية القطب الذي بدأ يتشقق ، وهو مرشح للأنقسام و الأنهيار لامحالة .