بعد أن أحمد الله تعالى حمدا يليق بجلال قدره وعظيم سلطانه، وأصلي على سيد خلقه اجمعين محمد صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا.. أكتب اليك هذه الكلمات من أب محب إلى ولده بضعة منه وفلذة كبده.. ولك أن تأخذ بما سيأتي فيها أو بعضها ولك أن تعرض عنها..
وأنت تنتقل من مرحلة تعليمية وحياتية إلى مرحلة تعليمية وحياتية أوسع إن شاء الله تعالى.
من مرحلة كنت جلها تحت ناظري والديك إلى مرحلة تبتعد فيها عن رقابتهما وتوجيهاتهما الدائمة وإن كنا كما تعرف لسنا من محبي كثرة النصح والتوجيه الممل إيمانا منا بأن الله قد حباك بعقل تميز فيه الخبيث من الطيب..
إن الأجواء الجامعية جد مختلفة فهي أكثر انفتاحا وأكثر آراء وأعقد فكرا وهي في عالم اليوم أكثر تشابكا وأصعب قرارا..
لن أطيل عليك فإني أعلم أن جيل اليوم ملول لهذا لن أطيل بالتقديم بل سأنتقل إلى ما سأقول..
إعلم أن لا رفعة ولا نجاح ولا توفيق ولا تميز بغير توفيق الله، فعليك أن لا تغتر يوما بقدرتك الذهنية ولا الجسدية ولا الشكلية فكلها من الله وعليك أن تتقي الله فيها كي يحفظها الله لك وعليك..
تسلح بالعلم واامعرفة والمهارة لأن تداخلات عالم اليوم ومستجداته تحتاج إلى المحاججة بالعلم والمعرفة والثقة بالنفس والمهارات وسمو الهدف..
أي تخصص تدرسه مهما ظننت أنه نادر فهو مشبع بمجرد تخرج فوج واحد منه، لهذا فالتخصص النادر على الدوام هو (الإبداع والتميز)، والعالم اليوم لا يحتاج إلى نسخ مكررة من الشهادات ولا نسخا مكررة من الخريجين بل يحتاج إلى القادة المتميزين المبدعين المؤثرين أصحاب الهمم العالية والبصمات الجلية، وعليه إما أن تكون طالبا متميزا أو لا تكون، وإما أن تكون خريجا متميزا أو لا تكون،.. وكن على الدوام فخرا لوالديك، فخرا لأسرتك، فخرا لوطنك، فخرا لدينك.
وأنصحك أن لا تنقاد دوما للكثرة فهم ليس بالضرورة على حق ولا هداية (وما أكثر الناس ولو حرصت بمؤمنين) و (وإن تطع أكثر من في الأرض يضلوك عن سبيل الله)، ولا تسعى خلف الإكثار من الكم على حساب الكيف، فقليل من المال الحلال خير من كثيره الحرام، والموقع المتواضع مع الكفاءة خير من المنصب الرفيع بضعف، وصديق واحد وفي خير من الف لا تجدهم، وكلمة طيبة خير من ثرثرة كثيرة (فأما الزبد فيذهب جفاء وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض).
وكن كالغيث أينما يحل يترك أثرا طيبا.
ولا تنتظر دعم الآخرين وتحفيزهم، فإنه إن جاء فبها ونعمت وإن لم يأت، فليكن اعتمادك على تحفيزك الذاتي هو الأساس.
وتأكد أن الله حبانا بكنز من الطاقات الكامنة والمتميزون هم من يكتشفونها ويستثمرونها والعاديون هم من يميتونها بالتردد والخوف والتسويف والعيش في دائرة الراحة، واعلم أنه مع الإرادة بعد - توفيق الله - تحقق المعجزات (والنفس كالطفل إن تتركه شب على حب الرضاع وإن تفطمه ينفطم).
أي بني..
اعلم أن لا قيمة للعلم ولا للشهادة إن كانت تبعدك عن ربك ودينك وخلقك أو تتعالى بها على غيرك، واعلم انه (بالشكر تدوم النعم).
وإياك أن تأخذك بعض الأفكار الدخيلة على حساب القيم والمبادئ والثوابت.
واعلم أن منظومة القيم والأخلاق عابرة للعصور والبلدان والأجيال، فتمسك بها تظفر بالدتيا والآخرة.
وقبل أن أختم أهديك هذا الحديث القدسي وعض عليه بالنواجذ: (...وما تقرب إلي عبدي بشيء أحب إلي مما افترضت عليه، وما يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي بها، وإن سألني لأعطينه، ولئن استعاذني لأعيذنه).
أستودعك الله الذي لا تضيع ودائعه، وأسأله تعالى أن يكتب الخير لك ولأقرانك الإعزاء.
والحمد لله رب العالمين..