الهوية الأردنية والهوية الخجولة 2
أ.د. هيثم العقيلي المقابلة
17-08-2023 08:21 PM
استكمل في هذا المقال محطات لا بد من مراجعتها وذلك لقناعتي أن الاردن افتقد عبر السنين الى إعلام وطني غير رسمي مؤمن و مدافع عن الهوية و الثقافة الأردنية وافتقد أيضا الى المفكرين والفلاسفة المؤمنين و القادرين على تعزيز قوته الناعمة فالأردن برأيي دور ثم دولة و في حال التخلي أو تراجع الدور الأردني يبدأ بالصعوبات الاقتصادية و كما في كل دولة أخرى لا تمتلك مخزونا هائلا من الثروات الطبيعية سيرتد تراجع الدور و التأثير و القوة الناعمة الى صراع او تنافس داخلي بين الهويات الفرعية فالدول و الشعوب لا تحب و لا تكره و لكنها تنطلق من قدرتها الاقتصادية و تأثيرها الفكري و الثقافي و اننا نعيش اليوم تراجع الدور المصري بالرغم من زيادة القوة العسكرية المصرية و ذلك مرده تراجع القوة الناعمة المصرية من فكر و ثقافة تلقي بتأثيرها على محيطها و انني استطيع استشراف مستقبل المنطقة ان بقيت على مسارها فنحن نعيش في منطقة من العالم التاريخ فيها قائم في كل احداث الحاضر و صراعات منطقتنا و على منطقتنا ليست عسكرية بحته بل خلطة معقدة من التاريخ و الجغرافيا و الهوية و قد رأينا كيف أن قوة عظمى مثل الولايات المتحدة غرقت في جغرافيا و تاريخ العراق وأفغانستان في مقابل صعود قوى إقليمية برعت في استخدام التاريخ و الثقافة لصالحها.
المحطة 1: حرب48. في الوقت الذي كان الغرب و اليهود يعدون و يعملون لسنوات طويله لمشروعهم الذي هدف الغرب من خلاله بالتخلص من اليهود في اروبا و زرع مخلب متقدم في الشرق و هدف منه اليهود الى انشاء دولة تكون منطلقا لاستعادة ماضيهم كما يتصورونه، في هذا الوقت كانت الاراضي العربية تحت الحكم العثماني أولا ثم الغربي بعده. أما الشعوب و النخب العربية فكانت مشغولة بتحرير اراضيها بالدرجة الاولى و بناء دولها بهوية عربية (باستثناء نسبة كانت ما زالت تعيش وهم الخلافة و التي انتهت عمليا عندما وصل محمد علي و ابنه ابراهيم الى قلب الامبرطورية العثمانية و كان على وشك انهائها و صعود خلافة او امبرطورية جديدة مركزها مصر لولا الانذار الثلاثي من روسيا و فرنسا و بريطانيا التي استعانت بهم الخلافة العثمانية). لذلك برأيي ان العثمانية انتهت على ارض الواقع منذ 1850 فجيوش ابراهيم باشا استولت على كامل بلاد الشام و الجزيرة العربية (بعد حصار و سقوط الدرعية) و استولت على اجزاء من تركيا الحاليه هذا بالاضافة الى مصر و السودان. حماية الامبرطورية العثمانية من قبل الدول العظمى كان له ثمن باهظًا من ضمنه المشروع اليهودي و كل ما يقال عن رفض السلطان عبدالحميد لا يتعدى الكلام فهو لم يكن صاحب سلطة أساسًا و كانت الخلافة بيت ايل الى السقوط و يحافظ على بقائه الغرب لتقسيمه بهدوء.
كان لا بد من هذه المقدمة بخصوص حرب48 لنفهم كيف تسلل اليهود بهدوء الى فلسطين و ساعدهم بعض سماسرة البيع من هناك لذلك نجد ان مؤتمر ام قيس 1920 احد بنوده المطالبة بمنع بيع الأراضي لليهود ناهيك عن الخلاف داخل الاراضي الفلسطينية بين العائلات التمكنه في حينه و بين الحسيني بالاضافة لدعم الدول الكبرى طبعا و انشغال العرب كل بتحرير ارضه من المستعمر. يسجل للملك المؤسس عبدالله الاول أنه كان ذو بصيرة سياسية فاستغل المساحة الفارغة بين مصالح الدول الكبرى لبناء جيش قوي سمي الفيلق العربي و الذي وصل تعداده سنة 48 حوالي 4600 فرد و هو مقبول بالنسبة لدولة محدودة الموارد و السكان مثل عبر الاردن في حينه. بالمقابل كان الجيش المصري كبيرا مترهلا لذلك سمي جيش المحمل (لان اكبر مهمة له هي حماية كسوة الكعبة المشرفة) و هذا طبعا لا ينفي وجود ضباط و افراد وطنيين ذوي كفائة و لكنه بالمجمل كان جيشًا ضعيفا و ما قصة الاسلحة الفاسدة الا ذريعة لعدم الكفاءة و الاعداد. اما الجيش السوري فلم يكن قائما بشكل حقيقي لذلك لم تتعدى مشاركته في حرب 48 معركة صغيرة و مهمته منطقة ضيقة. و اما جيش الانقاذ و المتطوعين فليس اكثر من وهم فافراد غير مدربين تدفعهم الحمية لمواجهة جيش يهودي تحت مسمى عصابات شارك معظم افراده في الحرب العالمية الثانية هو انتحار و اما جماعة الاخوان و مشاركتهم في 48 فهي دعاية رخيصة فعدد من شاركوا كان 200 متطوع بالوقت الذي كان عدد افراد جماعة الاخوان في مصر سبعون الفا. لذلك فان حمل المعارك في 48 كان على عاتق الفيلق العربي الاردني ساعده في البداية قوات عراقية الى ان اتاها الامر من بغداد بالانسحاب و بقي الجيش الاردني يحمل ما يزيد على 80 بالمئة من الحرب و تثبت شهادات اليهود و الغرب مدى بسالة و شجاعة الفيلق العربي و كيف انتصر في معارك باب الواد و اللطرون و حافظ على الضفة الغربية و القدس الشرقية و استشهد ربع الجيش اي ما يزيد على الالف شهيد روت دماءهم ارض القدس. ليخرج الاعلام العربي يدعي ان الجيش الاردني لم يطلق طلقة كما رأينا ذلك في مسلسل الملك فاروق من كتابة لميس جابر و تمثيل تيم حسن و الذين يمثلون تزييف الوعي من الدول التي لم تحارب او فشلت في الحرب و هذه الرواية التي تم تسويقها مبكرا حتى من اصحاب الارض الفلسطينيين ليخلي الجميع مسؤوليتهم و يحملوها للجيش الوحيد الذي قاتل و انتصر في غياب اعلام وطني غير رسمي يقف لهم ندا ثم جاءت مهزلة انشاء حكومة عموم فلسطين في المنفى من قبل الحسيني و التي كانت الطلقة الاخيرة في نعش القضية في حينه فكيف يتخيل فرد ان شخصا محسوب على هتلر الذي تعتبره الدول المنتصرة في الحرب العالمية الثانية سبب الخراب و الدمار أن يكون ذا فائدة لقضية فلسطين في الوقت الذي يتشكل نظام دولي من المنتصرين. كان الاولى بالحسيني بدل البحث عن امجاد شخصية و دعايات ان يعرف ان وجوده في المشهد أسوأ ما يقد يحدث و افضل دعاية لليهود في روسيا و الولايات المتحدة و الغرب عموما. رحم الله شهداء الفيلق العربي الاردني و رحم الله الملك المؤسس الذي سبقت بصيرته عصره و لا نامت اعين الجبناء المزيفين للتاريخ و الحقائق و الوعي العربي
المحطة2: حرب 67 كانت حرب بلا معنى و بلا تخطيط و بلا اهداف واضحة و السبب فيها ليس الهوس القومي بل برأيي الهوس الشعبي فعندما قدم اليسار العربي نفسه مناضلا و قادرا و ضخم امكانياته اصبح اسير الجموع. اعتقد أن الاردن من الدول القليلة التي كانت تفكر بعقلانية و واقعية و تعرف امكانيات الاطراف جميعا و كان العدو ينتظر المبرر ليدخل حرب كان واضح نتائجها. مشكلة الشعبوية ان القائد يصبح اسير القواعد الشعبية و الحالمين و قد يجر غيره الى حروب لا هدف لها كما حدث مع الاردن الذي اضطر لدخول الحرب حتى لا تتهمه الشعوب و الانظمة اليسارية بالخيانه. المشكله ان المسؤولين الحقيقيين عن كارثة 67 اعادوا تقديم نفسهم كأبطال و حاولوا الهروب الى الامام بافتعال الفوضى داخل دول اخرى و ليس ادل على ذلك من سرقة نصر معركة الكرامة من الجيش الاردني على الاقل اعلاميا و اعادة تسويقه لسرقة الاموال العربية و تزييف وعي الشباب العربي.لذلك كان من دفع الثمن الاكبر بعد فلسطين هو الاردن. ما زلنا بين الفينة و الاخرى يخرج لنا مغامرون يدعون الرغبة بالتحرير ليدفعوا فاتورة الدماء و الخراب من جيوب غيرهم. اعتقد ان 67 تحتاج اعادة قراءة بعقل نقدي محايد حتى لا تتكرر بشكل اخر.