مجتمع الميم والخطر على مجتمعاتنا
السفير الدكتور موفق العجلوني
17-08-2023 06:45 PM
يواجه عالمنا العربي والإسلامي تحديات خطيرة تمس أطفالنا وشبابنا وبناتنا وكيان المجتمع العربي ككل من خلال أساليب ممنهجة ومخططة بعناية شيطانية من المجتمع الغربي بهدف افساد مجتمعاتنا العربية والإسلامية من منطلق الحرية "المنفلته "دون أي ضوابط او رادع، والتي تدعوا الى الرذيلة وافساد مجتمعاتنا من خلال عملية غسيل لأدمغة الشباب منذ سن الطفولة والمراهقة بدعوات تمسخ إنسانية الانسان متجاهلين قوله تعالى " انا خلقناكم من ذكر وأنتئ وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا، ان اكرمكم عند الله اتقاكم. صدق الله العظيم.
لا بد لي ان أتوجه بالشكر الجزيل لمعالي الأستاذ الدكتور جمال سند السويدي نائب رئيس مجلس أمناء مركز الامارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية ، والذي عرفته عن قرب عندما كان يتولى المدير العام لمركز الامارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية ، هذا المركز والذي تأسس على يدية ١٩٩٤- ٢٠٢٠ واغنى المكتبة العربية و الإسلامية بمئات الإصدارات من أمهات الكتب و المحاضرات والندوات ، وكان لي الشرف حضور و تغطية بعض المحاضرات و الندوات و تشرفت بأن اصدر المركز في عهده كتاباًُ لي بمناسبة مرور ٢٥ عام على تأسيس المركز بعنوان : ٢٥ عام من الإنجاز لمركز الامارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية .
اطل علينا معالي الدكتور السويدي في المقال الشهري رقم ٢٤ بعنوان (الترويج للمثليَّة في العالم العربي ... التحديات والأهداف ووسائل المواجهة ) و المنشور بتاريخ ٩/٨/٢٠٢٣ .
عندما يتحدث العلامة الأستاذ الدكتور جمال سند السويدي، يُصغي له الجميع، فهو مرجعية في الفكر والادب والسياسة والتحليل النقدي وبعد النظر. اطل علينا بهذا الحديث، محذراً ومنذراً مجتمعاتنا العربية والإسلامية بضرورة الصحوة وان لا تستسلم لهذا الغزو المدمر والذي يسعى لتدمير مجتمعاتنا العربية والإسلامية، هنالك جماعات ضغط تمتلك أسلحة فتاكة أخطر من أسلحة الدمار الشامل من خلال عمليات الترويح " لمجتمع ميم" بواسطة أفلام الكرتون والأفلام الموجهة لشبابنا وشاباتنا ولأطفالنا وهم في سن البراءة وعلى رأس هذه المؤسسات "نيتفلكس "و "ديزني". و كما أشار الدكتور السويدي فقد بلغ عدد المشتركين في منصة «نتفليكس» 220 مليون مشترك، مقابل 221 مليون مشترك لمنصة «ديزني»، ومن المتوقع أن تصل منصة «ديزني» إلى 245 مليون مشترك في 2024 .
وحول إثارة موضوع " مجتمع ميم "، هذا المجتمع الذي يسعى بكل الأساليب والطرق لخلخلة مجتمعاتنا العربية والإسلامية من خلال زرع مفاهيم المثلية الجنسية الواهية والتي لا تتعارض فقط من الدين والعادات والتقاليد والقيم الإنسانية وانما تتعارض مع الخليقة والمبدأ الذي خلق الله سبحانه وتعالي هذا الكون لأجله عملاً بقوله تعالي: "كنتم خير امة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله."
تعتبر مجتمعاتنا العربية والإسلامية أكثر المجتمعات في العالم محافظة على القيم الثقافية والأخلاقية والعادات والتراث والتقاليد، من خلال مبادرات وأنشطة وسياسات يرتكز بعضها على التراث والعادات العربية الأصيلة، وبعضها الآخر على القيم السامية المأخوذة من قيمنا الإسلامية وعاداتنا وتراثنا الحضاري للدين الإسلامي. وقد استطاعت مجتمعاتنا من خلال ارث الإباء و الأجداد الى تحصين الدولة والمجتمع من رياح أي ظواهر سلبية مهما تكن الحملات والقوى المروجة لها، وأصبحت تلك الظاهرة تمثل إشكاليةً كبيرة للدول العربية والإسلامية ، ويرجع ذلك كما أشار الدكتور السويدي إلى ثلاثة أمور:
وجود أفراد وجمعيات ونوادٍ داخل دول عربية عدة، تروّج لهذه الظاهرة الشاذة، وتؤيد مطالب «مجتمع الميم»، ليس بمسلك الخجل المصحوب بالشعور بالعار، وإنما بمسلك الجرأة الممتزج بالشعور بالفخر.
ضغوط الولايات المتحدة الأمريكية ودول الاتحاد الأوروبي -في الغرف المغلقة- لدفع الدول العربية والإسلامية للاعتراف بمجتمع الميم والتجاوب مع مطالبهم، والتوقف عن معاقبتهم على أفعالهم.
وجود رفض مجتمعي عربي واسلامي لهذه الظاهرة، لكونها مخالفة للشريعة الإسلامية، فضلاً عن أن الاعتراف بها يعصف بالقيم والعادات الأساسية للمجتمعات العربية الإسلامية، وذلك لما تتضمنه من قيم مغايرة وسلوكيات دخيلة، يمكن أن تفتت -في حال التغاضي عنها -مقومات النسيج الاجتماعي في الدول العربية والإسلامية.
يضيف الدكتور السويدي، مجتمع ميم يفرض علينا كمجتمع عربي واسلامي تحديات سياسية واجتماعية وثقافية وأمنية، تكمُن خطورتها في أنها متشابكة وتهدف إلى فرض نمط سلوكي جديد على المجتمعات، بشكل قد يطال هويتها الاجتماعية والثقافية والدينية والوطنية، ويجعلها مجرد كيانات هشّة، تدور بلا إرادة وبلا وعي في فلك العولمة أو القيم الغربية، بمبرر الدفاع عن حقوق الإنسان بالمنظور الغربي.
بنفس الوقت تحاول جهات غربية فرض منظومات قيمية وسلوكيّة وفكريّة وثقافيّة على الدول العربية و الإسلامية ، ، من خلال محاولات مصحوبة بحملات تقف وراءها جماعات ضغط، تستغل وسائل الإعلام والدعاية المختلفة لفرض هذه القيم، تحت شعارات حقوقية تدافع عن الحقوق الانسانية، وتضغط هذه الجماعات المدعومة، عادةً، من حكومات دولها، في مسارات عدة، منها السياسي لتغيير ثقافة وهوية الدول المستهدفة، ومنها القانوني لتغيير التشريعات والقوانين وتعديلها في اتجاه القبول بالظاهرة، والاعتراف بمجتمع الميم، كأقلية لها مطالب وحقوق مشروعة، على الرغم من أنها تُعد سلوكيات غريبة وشاذة على المجتمعات العرب. و الإسلامية.
بنفس الوقت هناك منصات ترفيهية عالمية معظمها أمريكي وأوروبي، يجري توظيفها للترويج لمجتمع الميم، وتستغل هذه المنصات، وعلى رأسها «نتفليكس» و«ديزني»، التقنية الرقمية لنشر أفلام ومسلسلات وروايات وبرامج تحتوي على مشاهد إباحية تروّج للمثليّة، وتكمُن خطورة هذه المنصات في انتشارها الواسع، ودخولها إلى كل بيت، مما يشكّل خطورةً كبيرة على الأطفال والناشئة، وكذلك الشباب، بل وباقي فئات المجتمع معرضون للخطر نفسه.
وتزداد حدة هذا الخطر الداهم في ظل تزايد الإقبال على الاشتراك في هذه المنصات. فعلى سبيل المثال لا الحصر، يبلغ عدد المشتركين في منصة «نتفليكس» 220 مليون مشترك، مقابل 221 مليون مشترك لمنصة «ديزني»، ومن المتوقع أن تصل منصة «ديزني» إلى 245 مليون مشترك في 2024 كما اشرت أعلاه .
بنفس الوقت تسعى حملات مجتمع ميم إلى نزع مبررات الخصوصية الثقافية، كأحد أهم مرتكزاتها. ويترتب على هذه الحملات وما تدعو إليه، آثار سلبية على القيم الثقافية والعادات الاجتماعية المتأصلة في مجتمعاتنا العربية والإسلامية، مما قد يؤثر على استقرارها الاجتماعي، ويمكن حصر أهداف تلك الحملات في ثلاثة بنود هي:
أولاً: تغيير الميول والأفكار والاتجاهات في المجتمعات العربية والإسلامية، وتحييد تأثير القيم الدينية والأعراف المجتمعيّة، وكذلك القيم الثقافية والأخلاقية، على الموقف من المثليّة والمثليين، دون التفات إلى أن هذه الحملة تسبب انحرافاً خطيراً عن قيم هذه المجتمعات.
ثانياً: إدخال الطفل العربي والإسلامي في دوامة صراع، بين ما يعيشه من مُثل وقيم وعادات وتقاليد، وبين ما يراه من أفكار مغايرة، تركّز على الغرائز الجنسيّة المخالفة لطبيعة البشر، وذلك بقصد تغريبهم وجعلهم يعيشون في حيرة وتذبذب بشكل دائم.
ثالثاً: إقحام الأطفال والشباب في الدول العربية و الإسلامية ، في الجدل الدائر في العالم بشأن بعض الأفكار السائدة عن المثليّة، مثل ادعاء أن المثليّة تسببها جينات محددة لا دخل للشخص المثلي فيها أو العوامل الاجتماعية، وبالتالي من حقه أن يعيش حياته كما يريد، بالإضافة إلى التركيز على مبررات يجري تجنيد الباحثين والأطباء والإعلاميين وأصحاب الرأي والفنانين لترويجها على أنها حقيقة، على الرغم من أنها ليست كذلك، فضلاً عن تعمُّد المروجين للمثليّة عدم عرض الحجج المضادة التي تكشف كذب مبرراتهم في الدفاع عن مجتمع الميم.
أن أخطر وسيلتين للترويج لذلك هما، الأولى: مضمون الرسائل التي تحتوي عليها الأفلام والمسلسلات، والثانية: تنويع الشخصيات المثليّة في هذه الأفلام والمسلسلات خاصةً الكرتونية، وذلك لضمان أقوى تأثير في نفسية وذهنية المتلقي. إذ أظهرت نتائج دراسة بحثية قائمة على أسلوب تحليل المضمون، أجريت على مسلسلات منصة «نتفليكس» في الفترة 2017 إلى 2020، أن «نتفليكس» تقدم في أعمالها الفنية الشخصيّة المثليّة، على أنها شخصية متفهمة للحب والحياة أكثر من غيرها، وقدوة لغيرها في الحب والوفاء، شخصية تتمتع بالحكمة والخبرة في الحياة، وكرم الضيافة وحب الفكاهة والبشاشة، واثقة في نفسها وتشع الثقة في الآخرين.
و هنا يأخذنا الدكتور السويدي الى كيفية مواجهة هذا الخطر الذي يداهم مجتمعاتنا العربية والإسلامية ، و كيفية التصدي لحملات مجتمع ميم الإعلامية ، حيث يضيف : " قد يتفق الجميع على أن التصدي لحملات الترويج للمثليّة بات ضرورة ملحة، لما تمثله هذه الحملات من انتهاكات لثقافة وهويّة المجتمعات والدول العربية و الإسلامية وقيمها الأخلاقية وعاداتها وتقاليدها، فضلاً عن أنها تمثل عدواناً على كرامة الإنسان واستقلاليته وحريته، إذ صار حق الحفاظ على الثقافة الفردية والمجتمعية والتقاليد الراسخة، وحتى لا تتغلغل في بعض أفراد مجتمعاتنا تلك الثقافة دون أن نشعر، ينبغي إعداد استراتيجية مبتكرة لحماية المعايير الأخلاقية والسلوك الاجتماعي، أو إطار عمل عربي و إسلامي على أقل تقدير لمواجهة مخاطر الترويج للمثليّة، لما لها من مخاطر كبيرة على الأطفال والشباب في عالمنا العربي و الإسلامي جنباً الى جنب الجهود و المبادرات القائمة بالفعل وذلك لخطورة المسألة وجسامة مخاطرها .
بطبيعة الحال هنالك قوانين وتشريعات في عالمنا العربي والإسلامي تقضي بمعاقبة «أي عمل فاضح علني مُخل بالحياء»، وعلى صعيد مدونات السلوك خاصة بالمعلمين والمعلمات يحظر أحد بنودها «مناقشة الهوية الجنسية أو المثليَة الجنسية أو أي سلوك آخر يعتبر غير مقبول للمجتمعات العربية والاسلامية داخل الفصول الدراسية.
بنفس الوقت هناك حاجةً مُلحة لعمل جماعي عربي وإسلامي وعالمي، تشارك فيه الشخصيات المؤثرة من مثقفين ورجال دين وتربويين، وكل فئات المجتمع وعبر الثقافات المختلفة، للضغط على المنصات الترفيهية والتأثير على توجهاتها. كذلك يمكن الاستفادة من حكم المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان الصادر بالإجماع، في ديسمبر 2022، والذي لا يقر زواج المثليين كحق من حقوق الإنسان، الذي يقوّض إحدى الركائز الأساسية لمبررات «مجتمع الميم» من أجل الاعتراف بهم.
من جهة أخرى، ومن أجل الحماية المجتمعية للنشء والشباب، يمكن إنتاج برامج وأفلام تبرز الدور الذي يمكن أن تلعبه الثقافة والقيم والعربية العربية والإسلامية في التصدي للشطط الذي بلغته حملة الترويج للمثليّة، والتي تؤثر على الأطفال في دول العالم، بإنتاج محتوى ترفيهي مناسب، ويمكن أن تكون دولنا العربية والإسلامية رائدة في إنتاج ترفيهي تربوي يتناسب مع عاداتنا وتقاليدنا وديننا الحنيف للأطفال والشباب، يواكب الثقافة الرقمية ويستفيد منها.
شكراً لمعالي الدكتور جمال سند السويدي الذي دائما ينير عتمة الطريق من خلال ما يتحف دولة الامارات والعالم العربي والإسلامي والدولي بمؤلفات نادرة ومقالات نيرة و ندوات غير مسبوقة تعالج قضايا الامة العلمية والفكرية و السياسية و الاقتصادية و الاجتماعية من اجل صحوة عربية إسلامية و إنسانية.
و لا يفوتني في هذا المجال الا ان اذكر بعضاً من مؤلفات الدكتور السويدي و التي تتصدر العديد من المكتبات في عالمنا العربي و الإسلامي، اذ اوصي الجميع في عالمنا العربي والإسلامي والمجتمع الدولي بقرأتها، واذكر منها :
لا تستسلم ... خلاصة تجاربي
مجتمع دولة الإمارات العربية المتحدة في القرن الحادي والعشرين
قضايا وتحديات عالم متغير
منهج الشيخ زايد في بناء دولة الاتحاد
أحداث غيرت التاريخ
لا تستسلم... خلاصة تجاربي
دور عملية استعادة الشرعية في اليمن في تعزيز الأمن القومي العربي
إيران والخليج: البحث عن الاستقرار،
أمن الخليج في القرن الحادي والعشرين،
مجلس التعاون لدول الخليج العربية على مشارف القرن الحادي والعشـرين
مجتمع دولة الإمارات العربية المتحدة.. نظرة مستقبلية.
وسائل التواصل الاجتماعي ودورها في التحولات المستقبليَّة: من القبيلة إلى الفيسبوك
آفاق العصـر الأمريكي: السـيادة والنفوذ في النظام العالمي الجديد
السـراب، الذي حاز على جائزة الشـيخ زايد للكتاب لعام 2016 (وقد طُبِع بلغات عدَّة)،
بصمات خالدة: شخصـيات صنعت التاريخ وأخرى غيَّرت مستقبل أوطانها
أحداث غيَّرت التاريخ
منهج الشيخ زايد في بناء دولة الاتحاد
المرأة والتنمية
السراب
*مركز فرح الدولي للدراسات والأبحاث الاستراتيجية
muwaffaq@ajlouni.me