facebook
twitter
Youtube
Ammon on Apple Store
Ammon on Play Store
مواعيد الطيران
مواعيد الصلاة
rss




نتائج التوجيهي والخطورة الاجتماعية!


كمال ميرزا
17-08-2023 04:52 PM

مظاهر الاحتفال الجماعية التي أخذت تصاحب الإعلان عن نتائج امتحان شهادة الثانوية العامة (التوجيهي) خلال السنوات الأخيرة هي مسألة جديرة بالتأمّل والتحليل.

الموضوع يتعدّى كثيرا مخالفة قوانين السير، أو الإزعاج، أو إقلاق راحة الآخرين!

عندما يتجاوز "رد الفعل" كمّا ونوعا حجم "المستثير" بأضعاف كثيرة، فذلك مؤشر على أنّ هذا المستثير ليس "السبب" الحقيقي وراء ردّ الفعل، بل هو مجرد "زناد" (trigger) أو "شرارة إشعال" (ignition).

المظاهر المُفرطة للاحتفال التي تصاحب الإعلان عن نتائج الثانوية العامة، والتي تتخذ سنة بعد سنة منحى "هستيريا"، هي مؤشر على مقدار الضغط الهائل المكبوت داخل صدور المحتفلين، وهو الكبت الذي ينتظر أي مناسبة/ حجة/ ذريعة/ فرصة مشروعة للخروج والتصريح عن نفسه والتفريغ.

نفس النمط من السلوك الجمعي "المُفرط" نجده في سياقات أخرى مثل احتفالات التخرّج في الجامعات، وتسبقها احتفالات مناقشة مشاريع التخرّج، والحفلات الفنية والموسيقية عموما، والاحتفال بنتائج المباريات والمنافسات الرياضية.. الخ.

الخطورة الاجتماعية لما تقدّم لا تقتصر فقط على سؤال: من أين تأتي هذه المقادير الهائلة من الطاقة والضغط المكبوتين خاصة لدى الأجيال الأصغر عمرا؟ وهذا السؤال وحده هو مناط لبحث وتحليل معمّق ومتعدد الجوانب ومتشعب المجالات والمستويات، خاصة من حيث ارتباطه بـ "نمط الحياة" الرأسمالي الاستهلاكي السائد، والتحفيز الوسواسي اللحوح للرغبات المادية والتطلّعات الشخصية، أو ما يُسمّى "ثورة التوقعات".

الخطورة الاجتماعية لما تقدم تشمل أيضا سؤال: ما هو مفهوم "الجموع" التي تمارس مثل هذه السلوكيات المفرطة لما يُعتبر عذرا مقبولا و"فرصة مشروعة"؟!

فكما أنّ "فرحة التوجيهي"، أو فرحة انتصار فريق كرة القدم المفضّل، تمثّل لدى هذه الجموع "فرصة مشروعة" لإطلاق العنان للضغط والكبت داخلها، وتجاوز القوانين والأعراف والمحددات والسلوكيات "الاعتيادية"، فإنّ أحداثا أخرى مثل مشاجرة جماعية، أو خلافا عشائريا، أو مظاهرة (أيّا كان موضوعها)، أو اعتراضا على نتائج انتخابات (أي انتخابات)، أو احتجاجا على البطالة، أو حتى الاحتفال بمناسبة وطنية أو شخصية وطنية، أو مسيرة لإظهار الانتماء والولاء.. الخ، جميعها تمثّل هي الأخرى حسب منطق هذه الجموع و"حساباتها العقلانية" "فرصا مشروعة".

والحديث هنا ما يزال حول "المستوى الجمعي"، ولكن ماذا لو انتقلنا بالتحليل إلى "المستوى الفردي"؛ فبانتظار حدث جماعي ما أو مناسبة جماعية ما تمنحه فرصة مشروعة لـ "التنفيس"، كيف سيستطيع "الفرد" التعامل مع الضغط والكبت المتنامي داخله بفعل تفاصيل الحياة اليومية ومتطلبات العيش اليومي، وإدارة هذا الضغط والكبت بطريقة تحول دون الوصول إلى درجة "الإنفجار" أو "الإنهيار"؟!

أو بالاتجاه المقابل، ما هي طبيعة الفرص المشروعة "الشخصية" التي سيمنحها كلّ فرد لنفسه، ويبررها لنفسه، ويشرعنها لنفسه، ويمنطقها لنفسه (من المنطق)، من أجل تفريغ الضغط والكبت المتنامي داخله؟

ألا يُلقى هذا المنحى من التفكير والتحليل ضوءا جديدا على كثير من الظواهر والمشاكل الاجتماعية التي باتت تؤرّق المجتمع وتهدد "تضامنه" مثل: "العنف الأسري"، و"التنمّر"، و"خطاب الكراهية"، و"الإقصاء الاجتماعي"، و"التحرّش"، و"المخدرات".. الخ، وذلك بما يتجاوز التحليلات "الكلاشيه" لـ "حملة كراتين" من الأكاديميين والخبراء، أو التعاطي "الدعائي" المُزاوِد لوسائل الإعلام، أو التعاطي "المؤدلَج" لما يسمّى منظمات المجتمع المدني والجهات المانحة التي تقف وراءها، أو "العقلية الأمنية" التي تطغى على منطق السلطة والحكم ومخيالهما؟

وفكرة "العقلية الأمنية" الأخيرة قد تكون بحد ذاتها أخطر من جميع المظاهر والظواهر والمشاكل الاجتماعية المشار إليها أعلاه، فنزوح السلطات ودوائر القرار والحكم في الأردن بشكل متزايد نحو "الحلول الأمنية" من تغليظ عقوبات وتشديد رقابة وتشدّد في التطبيق، على غرار مخالفات السير في حالة المحتفلين بالثانوية العامة، أو مثلما رأينا مؤخرا فيما يتعلّق بـ "قانون الجرائم الإلكترونية"، وغيرها من الأمثلة.. جميع هذا يشي بما يلي:

- تغليب السلطات ودوائر القرار والحكم في الأردن لما هو آني وقصير المدى على ما هو إستراتيجي وطويل المدى.

- انهماك السلطات ودوائر القرار والحكم في الأردن في التعامل مع أعراض ونتائج الظواهر والمشكلات الاجتماعية وإغفال أسبابها الأصلية.

- عدم إرساء السلطات ودوائر القرار والحكم في الأردن قراراتها على أساس علمي سليم، أو إرسائها على أبحاث ودراسات واستطلاعات تُسلق سلقا، أو محددة النتائج والمُخرجات سلفا، أو تُنسخ حرفيا من تجارب دول ومجتمعات أخرى (غربية غالبا)، أو تعتمد على تراكم البيانات الكمية من دون وجود تحليل نوعي حقيقي.

- رهان السلطات ودوائر القرار والحكم في الأردن على قدرتها بفرض سطوتها وسيطرتها الأمنية على المجتمع برمّته برغم الضغط والكبت المتناميين لدى الجماعات والأفراد، وهو ما يوحي بدوره بشيء من "استخفاف" السلطة بالمجتمع بجماعاته وأفراده ومآلاته المستقبلية.

- قناعة السلطات ودوائر القرار والحكم في الأردن الضمنية الغريبة بأنّ رجل السلطة ورجل الأمن ورجل إنفاذ القانون هو ليس جزءا من حالة الضغط والكبت العامة التي تعتري المجتمع.

- انتشاء السلطات ودوائر القرار والحكم في الأردن بقدرتها على تحويل وإعادة توجيه مشاعر الضغط والكبت المتنامية داخل المجتمع نحو المجتمع نفسه، بحيث يبقى المجتمع بجماعاته وأفراده في حالة صراع دائم تعزّزه "الندرة المصطنعة"، وبحيث تكون "السلطة" دائما وسط هذا الصراع هي "صمام الأمان" و"صخرة النجاة" من أجل الحفاظ على نعمة "الأمن والأمان"!

مبروك لجميع الناجحين في امتحان شهادة الثانوية العامة، ولكن خطورة المؤشرات التي تصاحب احتفالهم بنجاحهم من منظور سوسيولوجي تفوق كثيرا فرحتنا بنجاح كل واحد منهم!





  • لا يوجد تعليقات

تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة عمون الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة عمون الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم : *
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق : *
بقي لك 500 حرف
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :