يحسب للنقابات المهنية منذ نشأتها أنها كانت على الدوام معولاً للبناء والانجاز, وقلعة للحريات, لم يسجل عليها في تاريخها إلا انحيازها الدائم للمصالح العليا للدولة الأردنية, وانسجامها مع قضايا الأمة العربية والإسلامية وخياراتها الشعبية, وعلى رأسها قضيتنا المركزية "فلسطين"، هذا بالإضافة إلى بذل مجالسها المتعاقبة جل جهدها في أداء رسالتها بوصفها إطاراً مهنيا ً جامعاً لأصحاب المهنة الواحدة, يسعى للمحافظة على حقوق منتسبيه، ويحدد واجباتهم المهنية، ويأخذ على عاتقه تطوير المستوى المهني والفني للمهنة والمنتسبين, ويوفر لهم الحياة الكريمة في أواخر العمر أو العجز, وأنتجت عبرهذه السنوات تجربةً راشدةً ينظر لها بالتقدير والاحترام,مارست فيها الديمقراطية في أفضل صورها وكانت علامة فارقة على مستوى المنطقة كلها.

على مر السنوات الماضية ولظروف موضوعية في دولتنا الأردنية كان للنقابات المهنية صوتٌ عالٍ في الشأن السياسي, وفي نظر الكثيرين كان يغلب صوتها المهني, لكن كجزء من التحولات التي مر بها مجتمعنا وفي العقد الأخير بدا واضحاً توجه الهيئات العامة لانتخاب مجالس تقوم بتفعيل وتبني القضايا المهنية التي تحقق الأهداف التي أسست من أجلها وهو ما كانت تسعى له الحكومات المتعاقبة، إلا أننا نلاحظ تقصيرًا واضحًا وجليًا من الجانب الحكومي ومؤسساته في تبني مطالب النقابات المهنية التي من الممكن أن تخفف العبء عن الحكومات فيما إذا تم تلبية مطالبها التي تحقق التنمية والاستدامة بشكل عام في مختلف القطاعات المهنية وتخفف من آثار البطالة والفقر.

نحن في نقابة المهندسين الزراعيين كناعلى الدوام حريصين على بناء شراكة مستمرة مع الحكومات ومؤسسات الدولة بوصفنا بيت خبرة رديف ومتكامل مع جهودها خصوصًا, لكننا اليوم بتنا نصل إلى قناعة أنها "شراكة غائبة" من طرف واحد, ما زلنا ننتظر استجابة الحكومة لمطالبنا في سبيل متابعة قضايا الزملاء وتفعيل نظام مزاولة المهنة وتطبيق المسار المهني وغيرها من الملفات التي قمنا بمخاطبة رئاسة الوزراء وعدد من الوزارات والمؤسسات بشأنها، ولكن بدون أي رد إيجاباً كان أم سلباً، ونستثني بالتأكيد "وزارة الزراعة" ممثلة بوزيرها التي لبت نداء نقابتنا على الفور لإيمانها المطلق بأن الشراكة أساس الإنجاز ومن شأنها تطوير القطاع الزراعي بالرغم من تحدياته المتراكمة والمزمنة، حيث قدمت وزارة الزراعة مشكورة محطة التوانة في محافظة الطفيلة لاستغلالها من قبل النقابة, إضافة إلى تخصيص ما يقارب ثلاثة آلاف دونم من أراضي حوض السرحان، وهذا على نطاق الاستثمار، أما على نطاق التدريب فقد قامت بتوفير فرص تدريبية للزملاء في مؤسساتها العلمية والفنية والتعاونية والمالية، وعلى نطاق التعيينات فقد تم تعيين عدد كبير من المهندسين الزراعيين وجاري العمل على تعيين عددٍ آخر ليصل العدد الإجمالي إلى 202 زميل وزميلة هذا العام وهو رقم غير مسبوق في تاريخ تعيينات ديوان الخدمة لدى وزارة الزراعة.

إننا نعي تماماً التحديات التي تواجه الحكومة وعلى رأسها "التحديات المالية", لكن على الجانب الآخر لا بد للحكومات أن تمكننا من أداء رسالتنا المهنية بتلبية مطالبنا الموجهة إلى مختلف المؤسسات الحكومية, مؤمنين أن إحدى أوجه "الشراكة" هو التكافؤ في الاهتمام والتواصل والاطلاع المباشر على مطالب منتسبي بيت الخبرة الأول والأكبر في مملكتنا الاردنية, فقد مضى ما يقارب خمس سنوات (2018) على آخر زيارة لرئيس وزراء سابق بعد سبع سنوات من زيارة سابقة (2011 ).

ختامًا، ما تزال السياسة في مرمى النقابات المهنية ولن تتخلى عن واجبها ومسؤوليتها تجاه قضايا المجتمع المحلي والعربي والقضية الفلسطينية ومقاومة التطبيع مع الكيان الصهيوني، إضافة الى الدور المهم هذه الفترة في تعزيز منظومة التحديث السياسي ودعوة الزملاء للانخراط في الحياة الحزبية والسياسية لما يمتلكون من قدرات وكفاءات تساهم في تنفيذ البرامج السياسية والاقتصادية والاجتماعية, وسيظل بيتنا مفتوحًا, ويدنا بالخير والدعاء للوطن وقائده بالحفظ والمنعة, وللشراكة مرفوعة.

م.علي أبو نقطة / نقيب المهندسين الزراعيين.