"الأردن ليس دولة تعسفية، وتاريخنا يشهد على ذلك"، إشارة ملكية هامة، جاءت في حديث جلالة الملك في لقائه مع رئيس وأعضاء مجلس أمناء المركز الوطني لحقوق الإنسان، ونقيب الصحفيين.
الحديث الملكي جاء تعقيباً على إقرار قانون الجرائم الإلكترونية، وهي رسالة تبعث على التأكيد على أنّ النهج الأردني ثابت وراسخ، وأنه يراكم بناءً على تجربةٍ موصولةٍ تريد للفضاء العام أن يكون نقياً، وأن يبقى منحازاً للصالح العام، في خضم تجربتنا السياسية.
الحديث الملكي، في الزمان، جاء في توقيتٍ هامٍ، ليطوي صفحة الجدل التي رافقت صياغة وإقرار قانون الجرائم الإلكترونية، وليؤكد من جديد على أن النهج الأردني ثابت، وهو لديه تجربته الخاصة، والريادية دوماً، بعيداً عن أيّ هواجس.
إنّ التاريخ والحاضر الأردني، مليء بالأمثلة التي تؤكد على أننا في هذا الوطن، لدينا رؤيتنا الخاصة، المنتمية للإنسان، وحريته، وحقه بالتعبير، والحديث في الشأن العام، ورسالة الطمأنينة الملكية جاءت لتؤكد على المؤكد، وعلى السياق الأردني، الذي يعبر عنه منهج التسامح الذي لطالما تميز به الأردن، وهو منهج أرساه ملوك بني هاشم على مدار عمر الأردن.
فالأردن، لطالما كان سباقاً بين دول الإقليم في السير إلى الأمام، لصياغة الحياة السياسية القائمة على الرأي المتزن، الذي يسعى للصالح العام، ومبدأ المحاسبة لطالما كان هو مبدأ للتقويم والتصحيح، وقد أكّد جلالة الملك عبدالله الثاني، على ان مكافحة هذه الجرائم يجب ألا تكون على حساب حق الأردنيين في التعبير عن رأيهم أو انتقاد السياسات العامة.
ورافق هذا التأكيد الملكي، وإحقاقاً للتوازن، التوجيه للحكومة، مراجعة مشروع قانون ضمان حق الحصول على المعلومات، بما يكفل حق الجميع في الحصول على المعلومات الصحيحة والدقيقة وبشكل سريع مما يساهم في الرد على الإشاعات والأخبار الكاذبة.
وهذه إشارة أخرى تؤكد على أن المطلوب هو تنقية الفضاء العام، وإتاحة المجال لمشروع التحديث السياسي، لأنّ يقف على أرضٍ قانونيةٍ صلبةٍ بعيداً عن مرحلةٍ سابقةٍ انتشر فيها مفهوم اغتيال الشخصية، ووصلت الحدود في عديدٍ من القضايا إلى حدود نشر وبث ثقافة الكراهية والتجزئة.
وأنّ يكون الحديث إلى مجلس أمناء المركز الوطني لحقوق الإنسان، وبحضور نقيب الصحفيين، فهذه إشارة ملكية ثالثة تؤكد على أنّ الرؤية واضحة، وأن المطلوب هو بناء فضاء عامٍ نقيٍ من أي شوائب أو مفاهيم سادت مؤخراً عليها أن تجتث اليوم لصالح بلدنا، والجيل الحاضر، والأجيال المقبلة.
وقد سبق وأن حذر جلالة الملك من تأثير منصات التواصل الاجتماعي، وما تحمله من نقاشٍ قد يتحول إلى "تناحر" وخطورة هذا الأمر على المجتمعات، فما يضخ أحياناً عبر هذه المنصات، لا يبقى بحدود الجدران الإلكترونية، بل يتسرب إلى الشارع، ويخلق عبئاً وحالةً من السوداوية، تنال من معنويات الناس، ومن إيمانهم بذاتهم، ومقدرتهم على بناء الوطن.
إنّ الحديث الملكي أكد على ضرورة المراجعة لأيّ اختلالات تنشأ عن تطبيق قانون الجرائم الإلكترونية، بما يؤكد أنّ التشريع هو أداة مرجعيتها الناس، والهم العام، وأنها ليست وسيلة منزهة، بل هي قابلة للتغيير والمراجعة.