دخلت عملية الإصلاح السياسي مرحلة التطبيق العملي. هذا ليس ترفا سياسيا نطل عليه من نوافذ الجدل ولا الأمنيات، بل هو واقع حقيقي تجاوز مراحل الجدل وتخطى عتبة الأمنيات وصار الأردنيون اليوم أمام استحقاقات المرحلة بكل متطلباتها.
الانتخابات النيابية المقبلة ستكون في حدها الأقصى الشهر الثامن من العام المقبل، هذا عد تنازلي على مسافة قريبة، وهي انتخابات مبنية على تشريعات جديدة بالمطلق، مما يعني "قواعد اشتباك" سياسي مختلفة تماما عن كل ما سبق من تجربة انتخابية منذ عودة الحياة البرلمانية عام 1990.
هذه المرة، هناك إضافة نوعية جديدة تتعلق بالحياة الحزبية. وهو أمر واقع وأي ملاحظات على القوانين والتشريعات الجديدة ليست أكثر من مضيعة وقت خارج الإطار الواقعي للزمن، هناك تشريعات مرت بمراحلها الدستورية والعملية الانتخابية يتم التحضير لها على أساس وقائعها التشريعية الجديدة.
هل نحن جاهزون؟
هذا سؤال يحمل في داخله مخزون أسئلة أكثر عمقا وضرورة، وأولها هل هناك أمل بتغيير الواقع السياسي؟ هل تغيير الواقع السياسي يفضي إلى تغيير الواقع المعيشي الصعب؟
الإجابة قد تحمل نقيضيها: هناك أمل كبير بتغيير الواقع السياسي وبالتتابع تغيير "ثقيل الخطى" في الواقع المعيشي، أو نعيد إنتاج ذات التشوهات في الواقع الذي نعيشه بدون أي تغيير إلا نحو الخلف.
هذا كله يعتمد على المشاركة، لا في الانتخابات وحسب، بل في العملية السياسية برمتها، ومثل غيري لست متفائلا بانتفاضة حياة حزبية مفاجئة في الأردن، لكن هنالك أمل بضخ شيء من الوعي بتلك الحياة من خلال التجربة الأولى بعد عام.
كمواطن يبحث عن تفعيل مواطنته رغم كل التحديات أجدني أمام خيارين:
إما أن أتفاءل ولو بالحد الأدنى وأبحث عن خياراتي الحزبية ضمن البرامج التي تضعها الأحزاب وأعمل على تغييرها من الداخل بقوة مواطنتي، أو أن أقف على ناصية الواقع متذمرا من كل شيء ومستمرا في الحنق والغضب فأجد نفسي أمام انتخابات "وشيكة جدا" تنتهي بنتائج تعيد إنتاج الماضي بمسوخ جديدة أكثر تشوها.
الواقعية تفرض نفسها، والأمنيات لا معنى لها بدون تحرك سياسي صار متاحا "رغم كل ما يمكن جمعه من تحفظات على القوانين" وهذا التحرك في المحصلة يجب أن يعمل على تغيير القوانين التي لا يريدها المجتمع، وهذا المجتمع يجب أن يكون سياسيا بأفراده.
الأحزاب المفرودة على خريطة المشهد السياسي اليوم، على علاتها أو فضائلها هي حواضن وليست خطوط نهاية لسباق تتابع، حواضن تتفاعل مع منتسبيها وقابلة للتغيير والتشكل من جديد، والحزب الذي لا يعجبنا اليوم ببعض طروحاته إما ان نعمل على تغييره من الداخل كحزبيين من خلال النشاط السياسي المدروس، أو يخرج من المشهد بحكم التصويت النهائي في الانتخابات.
هو تدريب، ورشة تدريبية برصاص التفاعل الحي، نتائجه بحد ذاتها مؤشر على أداء المواطن لمواطنته.
تجربة جديدة، ومليئة بالمدهشات القادمة، لكنها تجربة يجب أن تفضي إلى واقع جديد بالمطلق يمكن البناء عليه في الانتخابات التي تلي تلك القادمة، وهو امتحان للمواطن ومؤسسات الدولة جميعها "بما فيها الأمنية" لإثبات القدرة "والجدية" على التغيير.
حتى آب القادم، ليس هناك متسع من الوقت لنتعلم ونمارس التجربة ونرفع منسوب الوعي الجمعي لتغيير الواقع الذي نريد تغييره، والطريق لا يخلو من تحديات وقوى شد عكسي كثيرة تريد إثبات "الفشل" سواء عند "المعترضين" ممن أدمنوا العدمية أو من تيار "الوضع الراهن" وقد يصبح تغيير الواقع بأي شكل خطرا على مكتسباتهم.
الغد