في الصيف تكثر الحركة وتغص عمان بزوارها ، ويفترض في هذه الحال أن نتهيأ لاستيعاب مزيد من البشر والسيارات والنشاطات والمؤتمرات ، هذا الصيف فوجئنا بمشروعات تطويرية في عمان وأطرافها زادت من الأحمال الصيفية الزائدة أصلا على حركة السير حتى بات التجول داخل عمان أو الخروج منها أو الدخول اليها ضربا من العذاب وحرق الأعصاب .فرحنا كبير وبلا حدود لكثرة المشروعات التطويرية وتوسيع الطرقات الرئيسة ، سواء داخل عمان أو على أطرافها ، ولكن دهشتنا مذهلة ونحن نرى التزامن المذهل لتنفيذ عدد ضخم من المشروعات الكبرى مرة واحدة ، مع ما رافق هذا الأمر من إغلاق شوارع شريانية وتحويلات كبرى تقطع أوصال حركتنا وتنقلنا ، حتى أن المشوار الذي كان يحتاج إلى ربع ساعة بات يحتاج لساعة أو اثنتين ،
في زمن "المخططات الشمولية" نفترض أن يتم التنسيق في توسعة الشوارع الكبرى بحيث لا يتم إغلاق مداخل رئيسة لعمان والرصيفة وإربد في وقت واحد ، لقد أصبحت كلمة "تحويلة" لعنة تصيب العقل والوجدان بالحول ، لكثرة ما تراها يوميا وفي عدة أماكن ، ليس من المعقول تحت أي ظرف كان أن تتكاثر التحويلات على نحو سرطاني حيثما اتجهت ، في وقت نحن نعاني فيه من عيوب قاتلة في هندسة المرور وجدوى الجسور وبذخ وإفراط في كثرة السيارات ، فإذا أضفنا هذا كله لأزماتنا الصيفية المعتادة ، زائدا غزارة إغلاقات بعض الطرق ، فهذا يعني أننا نسبح في بحر فوضوي من الطين وسوء الحركة والتوتر ،
أصبحت السواقة في عمان عذابا يهرس العصب ، ولعل مما يبعث على الجنون حين ترى أزمة سير فوق جسر أنشىء أصلا لحل الأزمة ، هل نعاني من مشكلة في هندسة المرور؟ هل يعقل أن نضع فوق الجسر إشارة مرور ودوارا؟ ما فائدة الجسر إذن؟؟ وكيف يحل مشكلة السير؟ هل نعاني من "تحول" أو "تحويل" في رؤيتنا سببت تداخلات سير في ذهنيتنا ونحن نخطط ونهندس في مدننا وعاصمتنا تحديدا؟
أنا لست متأكدا أن كل شيء يسير على ما يرام ، من غير الممكن أن نتخيل أن تكون أزمات السير في عمان التي يسكنها أقل من مليوني نسمة ، أشد تعقيدا من أزمات السير في القاهرة التي يسكنها خمسة عشر مليونا أو أكثر ، (بعضهم يقول أنها تضم اليوم عشرين مليونا) إنه ضرب من الجنون إن سلمنا أن كل شيْ على ما يرام ، ثمة خلل أنا لست متأكدا أين يقع ، ولكنه جعل حياتنا على هذا النحو من الفوضى القاتلة ، التي تؤثر على كل شيء بصورة سلبية ، وقد يمتد تأثيرها على الاقتصاد والسياحة وعدد نزلاء مصحات الأمراض العقلية والمنتحرين والمصابين بالجلطات الفجائية ،
التحويلات المكثفة تحدث تحولات أخلاقية وسلوكية ، وتكشف عن طبيعة العقليات التي تخطط لنا ، وتؤشر على استيلاد أسئلة كبرى ، لعل أهمها: هل نسير في الاتجاه الصحيح؟ أم أن هناك تحويلة خاطئة قد توصلنا إلى واد سحيق؟؟
Al-asmar@maktoob.com