كان الإنسان في قديم الأزل يعيش منفردا أو في أسر بسيطة، ثم عرف الإنسان الزراعة فعرف الإنسان المجتمع الأول ثم نشأت المجتمعات وتطورت وتطورت العلاقة فيما بينها، فمن مجرد المنفعة المادية في أضيق الحدود إلى المعاملات التجارية والصناعية والفكرية والثقافية المختلفة التي عرفها الإنسان منذ ذلك الحين،تطور الإنسان كفرد وتطور الإنسان في سياقه الاجتماعي فعرف الإنسان السلطة التي تختلف أشكالها وصلاحيتها حتى يومنا هذا ومع نشأة السلطة نستطيع القول أنه قد نشأ القانون بشكله المتعارف عليه حاليا، فكان القانون تارة لخدمة الناس ومراعاة مصالحهم العامة، وتارة في خدمة مصالح خاصة أخرى، ومن أهم الجوانب القانونية في إدارة المجتمع هي قوانين الثواب والعقاب فكيف نتعامل مع المخطئ، بل ما هو الخطأ أصلا
التغير الدائم و الخطأ
تلك قضايا كثيرة كانت تناقش ولا تزال تناقش حتى اللحظة الراهنة التي أكتب فيها هذه السطور الآن، وما يهمني من أن أناقشه في الكلمات القادمة هي العلاقة التي يصوغها الإنسان كفرد وكمجتمع مع الخطأ والإنسان المخطئ من وجهة نظر قانونية أو أخلاقية، وهذه العلاقة في نظري هي علاقة أساسية في فهم الإنسان؛ لأن الإنسان الفرد يخطئ دائما ودائما ما يتطور ويتحسن .
ذلك هو الإنسان! متغير دائما.. تلك هي طبيعته وفطرته التي فطره الله عليها، وقد كان هرقليطس الفيلسوف اليوناني يقول ” إنك لا تنزل إلى نفس النهر مرتين ” وأقول من بعده إنك لا تكون نفس الإنسان مرتين ذلك لأن الإنسان كائن حي متحرك متطور يتكامل بأفعاله الاختيارية هكذا كانت طبيعته وهكذا ستكون إلى الأبد، ومع تخيل هذا الإنسان المتطور يصعب تخيل إنسانا لا يخطئ ما لم يكن نبيا – فالإنسان يخطئ دائما، يخطئ على المستوى المعرفي فيحاول أن يتعلم الصواب ويكافح من أجل الوصول للحقيقة، ويخطئ على المستوى الأخلاقي فيحاول أن يتكامل أخلاقيا وأن يجاهد نفسه في سبيل نيل الكمالات الأخلاقية، وقد يخطئ بأشكال عديدة فيعود ويتدارك نفسه في أحيان، وأحيان أخرى يتملكه الخطأ ويصبح جزءًا منه لا ينفك عنه.
التعامل مع المخطئ
إن الخطأ بالنسبة للإنسان كان ولايزال وسيظل رفيق درب، رفيق درب الإنسان في رحلته في هذا العالم نحو التكامل أو وفقا لاختيارات هذا الإنسان وقراراته، وبالتالي يكون طبيعيا أن يخطئ الإنسان في بعض الأحيان ويكون طبيعيا أن يعاقب إن ظلم غيره في حالة السرقة مثلا ذلك كله يبدو لي واضحا تماما، ولكن ما يبدو لي غامضا كثيرا: الطريقة التي يتعامل بها المجتمع ككل مع المخطئ كإنسان، إن الإنسان إن ظلم غيره فلنا أن نوقفه عن ظلمه ولكن ليس لنا بأي حال من الأحوال أن نلغي وجوده وأن نعامله ككائن دوني،
إننا نرى من يعاقب يخرج منه أكثر إجراما وأكثر كرها للمجتمع مما كان حين دخله أول مرة، ذلك أننا لم نعتد أن نهيئ الإنسان ليعود للحياة بشكل أفضل، ولم نعتد أن ننظر للإنسان نظرة رحمة وتسامح وتقدير لتجربته النفسية والاجتماعية والشخصية، ولم نعتد أن نعترف حتى بأخطائنا الشخصية في وسط هذا المناخ المشبع بالكراهية الخالي من التسامح والمغفرة
أحد الحكماء كان يقول ” من نظر إلى الناس بعين الشريعة – بمعنى القانون – مقتهم ، ومن نظر إليهم بعين الحقيقة عذرهم ومن جمع بين النظرتين كره المعصية أنني لا أدعو للتسامح مع الخطأ بل أدعو للتسامح مع المخطئ، لو تسامحنا مع الخطأ كمبدأ تنهار كل القيم الأخلاقية ويصبح كل سعي للكمال الأخلاقي مزحة سخيفة، ولكن في التسامح مع المخطئ تكامل على المستوى الأخلاقي والإنساني لا أظن أن الإنسانية قد بلغت فيها مبلغا عظيما بعد…
الخطأ ليس النهاية
لقد حاول الأنبياء والمرسلين أن يفهمونا أن الغرض من هذه المسيرة الإنسانية هو الهداية، الهداية الشخصية الفردية والهداية الاجتماعية على السواء وإذا أقررنا بهذا كمبدأ وقاعدة فعلينا أن نغير نظرتنا إلى الإنسان، الإنسان قد يخطئ وليس معنى هذا الخطأ أنه انتهى كإنسان، لا يزال الإنسان قادرا على التكامل طالما لا يزال قلبه ينبض بالحياة، فالخطأ لا ينظر إليه كنهاية بل قد يكون بداية جديدة، علينا أن نغير نظرتنا المجتمعية السطحية هذه نحو الإنسان بشكل عام وعلينا أن نكون أكثر تسامحا ورحمة مع الإنسان إذا كنا نريد رؤية غد أفضل.