أمريكا أفشلت السلام وحاكت الحرب
د.حسام العتوم
15-08-2023 10:50 AM
أتحدث هنا من جديد عن الحرب الأوكرانية المؤامرة على أوكرانيا وروسيا معا من طرف أمريكا والغرب، والتي لم تبدأها روسيا كما يشاع إعلاميا وسياسيا، وهي في واقع الحال عملية/ وحرب الآن على أطراف المناطق الأوكرانية السابقة المحررة روسيا مثل ( القرم والدونباس وزاباروجا وخيرسون )، المختلف على سيادتها بين روسيا الإتحادية وأوكرانيا " كييف" والغرب الأمريكي، والحرب هذه بمجملها كما أفهمها بدأت مع استقلال أوكرانيا عن الإتحاد السوفيتي عام 1991 طوعا.
ومع تحرك التيار البنديري الأوكراني المتطرف تجاه توجيه نظام " كييف " السياسي صوب إدارة الظهر بالكامل لروسيا جارة التاريخ منذ الزمن السوفيتي، والشقيقة الكبرى، وهي سياسة حمقاء ولاتعبر عن حركة إصلاحية مناهضة لكل ماهو روسي وسوفيتي، وهي ناشرة لخطاب الكراهية فقط، والتوجه نحو الغرب، والإتحاد الأوروبي، وحلف " الناتو " المعادي لروسيا عبر تحريك الثورات البرتقالية مبكرا عام 2007 في زمن رئيس أوكرانيا الأسبق ليونيد كوجما وبالتعاون مع إمريكا بالذات لوجستيا ومع عموم الغرب.
ولإنجاح انقلاب " كييف " غير الشرعي بالنسبة لموسكو عام 2014 ليس للإطاحة بآخر رئيس أوكراني موالٍ لروسيا مثل فيكتور يونوكوفيج، ولكن لإجتثاث الحضور الروسي من كافة الأراضي الأوكرانية عبر افشال الحوار المباشر مع بين أوكرانيا " كييف " و" الدونباس " من جهة ومع موسكو من جهة أخرى، ومن خلال تدمير اتفاقية " مينسك " الضامنة لسيادة أوكرانيا وأمنها، رغم مشاركة الغرب ( المانيا وفرنسا ) فيها إلى جانب روسيا وبيلاروسيا، والتجذيف إلى الأمام لتصعيد الحرب الباردة الغربية الأمريكية مع روسيا عبر محاولة تسليح " كييف " نوويا، والأضرار بيولوجيا بالمنطقة الروسية والسوفيتية والسلافية، والتطاول على خط الغاز " نورد ستريم 2 "، وعلى جسر القرم، وهو الذي تكرر، وتزويد " كييف " بالسلاح الغربي الحديث وبالمال الأسود وبقيمة وصلت إلى 200 مليار دولار أو أكثر على حساب شعوب الغرب وأمريكا، وهو توجه أمريكي خاطىء، ويرتقي لمستوى جريمة الحرب الواجب أن تقدم عليه والغرب (51) دولة لمحكمة الجنايات الكبرى.
والمعروف أن الأزمات الدولية تعالج عبر قنوات الأمم المتحدة، ومجلس الأمن، والمحكمة الدولية، أي عبر القانون الدولي وليس عبر الدفع بالسلاح والمال الكبير غير الشرعي، والملاحظ أن امريكا التي قادت خلفها 50 دولة غربية واعتقدت، وهم معها، بأن بامكانهم تحرير سيادة أوكرانيا بهذه الطريقة غير الصائبة، بينما للسيادة الأوكرانية خصوصية ارتكزت على التاريخ السوفيتي والسلافي المشترك ، وعلى الحوار وليس على الحرب، يصعب على الغرب فهمها .
وعندما تحركت العملية العسكرية الروسية الخاصة بتاريخ 24| شباط / 2022 وعبر ميثاق الأمم المتحدة ومادته القانونية رقم 751، كان هدفها انقاذ الروس والأوكران في الجوار وعبر صناديق الاقتراع أولا تماما كما فعلت في ميدان اقليم القرم عام 2014 ردا على سوء استخدام " كييف " للاستقلال عن الإتحاد السوفيتي، ومثلما اعتقد الغرب بأن من حقه الدفع بالسلاح تجاه " كييف " لتحقيق نصر مزعوم وسريع على روسيا، أصبح من حق روسيا تدمير السلاح الغربي المتجه نحوها، ويبدو ان الغرب لا زال يجهل قوة روسيا العسكرية التقليدية العملاقة والمتطورة، لكنه يعرف حجم تفوق قوة النار الروسية النووية عليه لذلك يخشاها ولا يقترب منها، ويحاول استفزازها من خلال تقريب مساحات حلف " الناتو " من حدودها، والغرب الأمريكي يحارب فوق الأراضي الأوكرانية، ويمارس التخريب والارهاب عبر الطائرات المسيرة حتى فوق موسكو العاصمة ويتطاول على جسر القرم، وهي حرب بالوكالة، بينما يتصدى الروس مباشرة للتطرف الأوكراني داخل الدونباس تحديدا وعلى أطراف القرم، وبطبيعة الحال، فإن الغرب ليس هو المسؤول والمخول المباشر عن تطبيق القانون الدولي، وانما المؤسسات القانونية الدولية مثل الامم المتحدة ومجلس الأمن والمحكمة الدولية ومحكمة الجنايات الكبرى وحقوق الإنسان، وثبت لاحقا مع تحرك عجلات الحرب وارتفاع هديرها بأنه تم اختراق كافة المؤسسات القانونية الكبيرة سابقة الذكر، وبدأنا نلاحظ سياسة تشبه شريعة الغاب، ولم يتمكن الغرب و" الناتو " من دحر روسيا سينتيمترا واحدا إلى الخلف رغم مرور حوالي عام ونصف العام على بدء العملية العسكرية الخاصة المحدودة .
ويعتقد في المقابل بأن الغرب عالم فاضل ، وهو الذي يتطاول على الأديان السماوية باسم الحرية، ولو كان كذلك لما زج نفسه في حرب ليست حربه وفي وضح النهار وتحت أشعة الشمس، وروسيا دولة عظمى وقطب عملاق لم تفكر يوما بمعادات الغرب ولا حتى أمريكا، ولا بشن حرب عليهم، والا لما جلست مع أمريكا في " جنيف "، ولما عرضت عليها عام 2000 دخول حلف " الناتو "، ولما دخلت معها في علاقة تبادل تجاري ومع الغرب ايضا وهي المرشحة للتراجع بقوة الآن، وكلنا نعرف كيف كانت الزيارات الرئاسية الروسية والأمريكية والغربية حاضرة ومتبادلة ونشيطة، واعتقد الغرب بانه قادر على عزل روسيا عالميا، لكننا نلاحظ بقوة كيف تمكنت روسيا من تحقيق نصر من نوعين وبسرعة، على صعيد العملية / الحرب، وعلى صعيد تشكيل عالم متعدد الأقطاب يمثل شرق وجنوب العالم، وتقهقر واضح يحدث وسط أحادية القطب، وتصدع محتمل بين أوروبا وأمريكا، وبين الاتحاد الأوروبي وأمريكا، ومعرض عسكري روسي عالي الشأن والتطور عقد في موسكو حديثا بتاريخ 14 أغسطس الحالي 2023 بحضور 80 دولة عالمية اعطى مؤشرا حميدا، وفي الوقت الذي فيه لم تعد حرب الغرب بالوكالة مقنعة، ماذا تبقى للعاصمة " كييف " في حربها الخاسرة أيضا ؟ .
لازال الوقت متاحا للسلام كما أعتقد، والسلام الممكن تحقيقه على الأرض، هو سلام الأمر الواقع الذي يقبل به الطرف المنتصر مثل روسيا، بمعنى قبول " كييف " بدولة غرب اوكرانيا من دون ( القرم والدونباس، وزاباروجا وخيرسون)، والتاريخ لا يعود إلى الوراء، وما على الغرب الا أن يرفع يده عن الحرب ويتوقف عن ضخ السلاح غير النافع، وأوكرانيا محتاجة أكثر لإعادة البناء ولمليارات الدولارات، والروس والأوكران أخوة وجيران، ومعا أكبر من مؤامرة الغرب، والمراهنة على أن توقف الولايات المتحدة الأمريكية الحرب بعد انتخاباتها الرئاسية القادمة عام 2024، هو احتمال ضعيف لا يعول عليه، فالدول العظمى خاصة تقودها الإستراتيجيات وليس النخب السياسية أو القادة فقط، وان فاز جو بايدن من جديد، فان الأزمة الأوكرانية سوف تتعقد، وان فاز دونالد ترمب، وطالب بوقف الحرب الأوكرانية فورا، فأنه سوف يحاكم امريكيا إلى جانب محاكمته الحالية بسبب اجتياحه للبرلمان الأمريكي " الكابيتول" 6 / كانون الثاني / 2021، فمن يقرع جرس السلام المحتاج إليه العالم اليوم ليتفرغ للتنمية الشاملة، ومتى يقتنع الغرب الامريكي بأنه على خطأ؟..
لقد آن الأوان لاعادة ترتيب أوراق كبريات المؤسسات القانونية في العالم لتعلوا أصواتها على أصوات الحروب، والبشرية محتاجة اليوم لمزيد من التنمية الشاملة ولترك الحروب جانبا، وأي حديث عن احتمالية نشوب حرب عالمية ثالثة فيه ضرب من الجنون، وروسيا العظمى الوحيدة عالميا القادرة على مواجهة تمرد وصلف الغرب العسكري، أي " الناتو "، وتمتلك قوة نووية عملاقة لم يعرف لها العالم مثيلا، وهنا لا أقلل من قوة الغرب النووية عبر حلف " الناتو "، وأعتبر بأن السلام اقوى من أية حرب، وكما يقال " سلام ضعيف خير من حرب مدمرة، والقيادة الأمريكية وبالتعاون مع الغرب للحرب تشبه دور المحامي الفاشل في قضية عادلة تقودها روسيا دفاعا عن سيادتها .