الوكالات الإخبارية العربية .. بين الإعلام الموجه وصوت الأغلبية الصامتة
د. ايهاب عمرو
15-08-2023 12:17 AM
ترددت قبل تناول هذا الموضوع لا لشيء سوى لكوني من أولئك الذين لا يزعجهم الشيء البسيط، غير أن الأمر إذا تعلق بمصالح وطن وأمة فإن الواجب المهني والأخلاقي يملي القيام بدق ناقوس الخطر، خاصة في ظل المتغيرات السياسية والجيوسياسية والأخلاقية الهائلة التي تعصف بالمنطقة العربية والعالم وما قد تحمله من تداعيات لا يحمد عقباها.
ولعل المتابع للوكالات الإخبارية العربية يشعر بقلق متزايد، ولا أبالغ إن قلت إنه بات يشعر بشيء من الحنق، اتجاه بعض تلك الوكالات الإخبارية التي وإن ادّعت أن مصلحة الوطن والأمة من أولوياتها إلا أن الواقع ربما يثبت عكس ذلك.
في فلسطين مثلاً، تقوم إحدى الوكالات الإخبارية بتسليط الضوء على أخبار الفنانين والفنانات، وهذا لا يعد بحد ذاته سبباً كافياً لانتقادها كون أن الاهتمام بالفنون يعد من وسائل التواصل الحضاري بين الشعوب، غير أنه إذا علمنا بقيام تلك الوكالة بتسليط الضوء على أخبار الفنانين والفنانات من أصحاب الفضائح الأخلاقية فإن الصورة تكون أوضح من الكلام، والرسالة التي تؤديها تلك الوكالة الإخبارية، تكون رسالة مشوهة ومسيئة للنضال الوطني الفلسطيني.
إذ عوضاً عن قيام الوكالة الإخبارية المذكورة التي لا تنتمي للوطن اسماً ومعنى بإبراز معاناة الشعب الفلسطيني وفضح ممارسات الاحتلال ضد أبناء وبنات الشعب الفلسطيني، فإنها تقوم بإبراز صورة مغايرة عن نضالات الشعب الفلسطيني أمام الشعوب العربية، وحتى أمام أبناء وبنات الشعب الفلسطيني ممن يقيمون في الخارج قسراً أو طوعاً بواسطة نشر تلك الأخبار والتقارير الإخبارية مع ما تحمله من إسفاف يدغدغ مشاعر الشبان والشابات.
ولا زلت أتذكر ذلك الحديث الذي جمعني وأحد زملائي الأكاديميين المخضرمين بشأن دور الوكالات الإخبارية الفلسطينية وقيامه بوصف تلك الوكالة الإخبارية بأنها وكالة "هشك بشك" الإخبارية.
ومصطلح هشك بشك، لمن لا يعرفه، عبارة عن مصطلح شعبي معناه الميوعة التي تقوم بها الراقصة الخليعة في سبيل إغراء وإغواء المتابعين لتحقيق مصالحها ومكاسبها الخاصة، ما يساهم في نشر الفجور.
ونصحني الزميل المذكور مشكوراً بعدم نشر أية مقالات أو قصائد شعرية على الموقع الإلكتروني التابع لتلك الوكالة التي تؤدي دورا مشوهاً ومشبوهاً يخدم مصالح خصوم الشعب الفلسطيني وأعوانهم، ويساهم في التأثير على الذوق العام بشكل سلبي.
وعلمت بعد ذلك من أحد الزملاء الأفاضل أن تلك الوكالة تمنع أحد أصحاب العقول المتنورة من الزملاء الأكاديميين الأفاضل من نشر مقالاته التي تتناول موضوعات فكرية واجتماعية دون سبب وجيه، في حين أنها تنشر أخبارا مبتذلة بشكل مكثف ومدروس، ما يوضح طبيعة الدور الموجه الذي تقوم به تلك الوكالة الإخبارية.
وثمة مثال آخر من فلسطين، حيث تقوم إحدى أهم الوكالات الإخبارية بنشر أخبار وتقارير لجهات عربية ودولية (رسمية وغير رسمية) مؤداها تبرير مواقف تلك الجهات والدول في سعيها نحو تطبيع العلاقات مع خصوم الشعب الفلسطيني، لا بل وصل الأمر بتلك الوكالة قيامها بنشر تقارير صادرة بشكل مباشر من خصوم الشعب الفلسطيني، ما يوضح طبيعة الدور الذي تلعبه تلك الوكالة المشبوهة. وقد وصفها أحد الإعلاميين ممن لهم باع طويل في الإعلام الرقمي بالقول: إنها وكالة استخبارية، وليست وكالة إخبارية.
وتقوم الوكالة المذكورة، إن بشكل مباشر أو بشكل غير مباشر، بمنع بعضاً من المؤلفين والكتاب الفلسطينيين من نشر مقالاتهم أو الأخبار المتعلقة بإنجازاتهم العلمية والفكرية دون إبداء أية أسباب وجيهة، ما يوضح طبيعة الدور المنوط بها والذي يخدم مصالح خصوم الشعب الفلسطيني ومن يعاونهم.
وقد أوضح أحد الزملاء الإعلاميين الأفاضل أن هدف تلك الوكالة الإخبارية هو بث السموم، وليس نشر الفكر والمعرفة بين العموم.
وينطبق ذلك على بعض الوكالات الإخبارية العربية ذات الميول والاتجاهات المحددة ما معناه عدم قيام تلك الوكالات الإخبارية بنشر أية أخبار أو مقالات لا تتوافق مع طبيعة تلك الميول والاتجاهات، ما يوضح الدور المنوط بها والذي يشكل مساساً بأهم الأسس والركائز التي تقوم عليها مهنة الإعلام، وأقصد الحيدة والنزاهة والموضوعية.
غير إنه، ومن قبيل إحقاق الحق، فإن بعضا من الوكالات الإخبارية العربية تؤدي دوراً إيجابياً ومحورياً يساهم في نشر المعرفة بين أفراد المجتمع. على سبيل المثال، تعد وكالة عمون نيوز الأردنية واسعة الانتشار عربياً منبراً حراً يسمح للكتّاب والشعراء بنشر مقالاتهم وقصائدهم التي تتناول موضوعات سياسية، واقتصادية، واجتماعية، وفكرية متنوعة، ما يمكن معه القول إنها وبحق تمثل صوت الأغلبية الصامتة ليس في الأردن فحسب، لا بل وفي عالمنا العربي.
كذلك، فإن موقع "عربي بوست" واسع الانتشار عربياً ودولياً يسمح بنشر مقالات نخبوية ذات موضوعات مختلفة ما يساهم في نشر المعرفة في أرجاء العالم العربي الذي يحتاج أكثر من أي وقت مضى لتلك الوكالات والمواقع الإخبارية التي تلامس هموم الشعوب العربية، وترعى مصالحهم.
تأسيساً على ما سبق، فإن الوكالات الإخبارية الفلسطينية والعربية المعنية يتعين عليها إعادة توجيه بوصلتها نحو خدمة مصالح الوطن والأمة، وإلا فإن قول علي بن أبي طالب رضي الله عنه سوف ينطبق على تلك الحالة: دواؤك فيك وما تبصر وداؤك منك وما تشعر، أتزعم أنك جرم صغير وفيك انطوى العالم الأكبر.