عند انطلاقة الأحزاب الأردنية بعد إقرار قوانين تحديث المنظومة السياسية، ظهرت شخصيات سياسية وفكرية تولت عملية التنظير لفكرة الأحزاب وضرورة المشاركة السياسية الواسعة لكافة الأردنيين تماشيا مع التوجه الوطني الجديد الذي يدعو إلى تأسيس حياة حزبية تكون الإطار العام للمرحلة الوطنية التي نحن على أبوابها في الديمقراطية والمشاركة الفاعلة في بناء الأردن الديمقراطي الجديد، وظهرت شخصيات تصدت لهذه المهمة أبرزهم كان الأستاذ الدكتور طلال الشرفات، السياسي والمفكر الذي طرح من خلال مشاركته الفاعلة في تأسيس حزب الميثاق الوطني أفكارا وآراء مهمة في عملية التمهيد والتأسيس للحياة السياسية الوطنية المرجوة، لكن حسب اعتقادي أن الرجل وجد عقبات على هذا الطريق وحساسيات جعلته ينأى بنفسه عن الصفوف الأولى، الأمر الذي شكل خسارة على مستوى الحزب نفسه وعلى المستوى العام في الساحة السياسية.
لا نستطيع المضي في الحياة الحزبية على السكة الصحيحة دون وجود مفكرين حزبيين ينظرون ويطرحون أفكارا حول جميع الملفات الوطنية التي من المفترض أن تتصدى لها الأحزاب والتي للأسف حتى هذا اليوم لا زال معظمها تعامل نفسها كجمعيات خيرية لا وجود حقيقي للعمل السياسي في برامجها، لإقناع الناس بالانضمام إليها، وتقلصت مهمة معظم قياداتها في الترويج فقط لفكرة دخول مجلس النواب ليتسنى لها تبوء المناصب الوزارية وكأن العمل السياسي الحزبي يقتصر على هذا الحلم!!
العمل الحزبي الحقيقي تحمل فيه الأحزاب جميع الملفات الوطنية على المستوى الإقتصادي والاجتماعي والسياسي وحتى على مستوى الملف البيئي وكل الملفات وليس فقط من زاوية واحدة للملف السياسي الذي من الممكن أن يؤهل قيادات الأحزاب للدخول إلى الوزارة.
لم أقرأ أن حزبا طرح حلولا حقيقية للملف الإقتصادي على سبيل المثال، اللهم إلا ذلك الحديث المرسل عن مشكلة الفقر والبطالة، دون وضع حلول لهذه القضية، أو حتى في الملف الاجتماعي وتقديم اقتراحات وحلول للتعامل مع التغيرات والكثير من القضايا التي طرأت على المجتمع ويعاني منها المواطن الأردني.
وقصة الأحزاب البرامجية البعيدة عن الفكرة التي يجب أن يتمحور حولها أعضاء الحزب والقاعدة التي ينطلق منها غير مقنعة، وتشير إلى عجز فكري عميق عند الكثيرين من قيادات الأحزاب ،فالحزب الذي لا يرتكز على قضية أو فكرة لن يكتب له الاستمرار، وسيفرط عقده في أول تحد يواجهه،.
أحزاب الوسط عادة ما تكون عامود التوازن في الحياة الحزبية على الساحة الوطنية، وتكون الحاجز أمام تغول اليمين وحده أو اليسار على المشهد السياسي في أي دولة، لكن للأسف معظم من تصدى لتأسيس أحزاب الوسط لم ينتبهوا إلى فقدانهم الفكرة الحقيقية لتأسيس الحزب، وذهبوا لتسويق أنفسهم بأنهم الأقرب إلى خطوط الدولة وأنهم هم الوطنيون وحدهم -الدولة مظلة للجميع- الأمر الذي أفقدهم حتى الآن النظرة الجدية لهم من قبل القواعد الشعبية.
أعود إلى ما أشرت إليه بداية المقال حول ضرورة وجود منظرين لدى الأحزاب حتى تكون برامجها وأفكارها مستندة إلى إمكانية إقناع القواعد الشعبية بما تدعو اليه..