الدولة هي ألا يحدث ذلك كله
مالك العثامنة
13-08-2023 11:21 PM
هناك قانون جرائم إلكترونية أصبح نافذا بمصادقة الملك عليه، وعلى خلفية حضوره السريع والجدلي كانت هناك مشاهد مرعبة من التغول على المواطنة تعرض لها مواطن "أيد القانون" بقناعة خاصة به، لكنه تعرض للإرهاب الاجتماعي بقيادة رموز إسلامية حاصرته بالعصبية القبلية التي يفتقدها شخصيا، فلم تحمه "مواطنته" التي يحملها من رعب مواجهة العصبيات القبلية، فاعتذرت "المواطنة" أمام "القبلية" في المائة الثانية للدولة الأردنية، في مشهد كامل السريالية.
(أنا كنت ضد صيغة القانون نفسه الذي يجب أن أحترمه الآن وقد تم إنفاذه وسأسعى لتغييره بالطرق الدستورية دوما).
مما يجعلني أتساءل أمام كل ما نراه ونسمعه:
ما هو النموذج الذي نطمح إليه في دولة استطاعت رغم كل "المؤامرات التقدمية المنقرضة" أن تجتاز مئويتها الأولى بامتياز؟
الجواب ببساطة:
دولة مؤسسات وقانون مع دستور يجب إعادة ضبطه على مفهوم الدولة لجميع مواطنيها بلا تمييز بالمطلق، والأمة هي مصدر السلطات، وتنظيم حقوق الملك وواجباته على أساس أنه رأس الدولة لا رئيسها، وهو ما كتبه الملك نفسه في معظم الأدبيات التي عبرت عن رؤيته الإصلاحية!
مرحلة الأحزاب، بعد ضبط مفهوم الدولة واستعادتها بكامل ألقها المؤسساتي ( وهذا يتطلب وقتا وجهدا وكثيرا من الوعي السياسي والتعليمي)، هي مرحلة لاحقة ويجب أن تكون قائمة على برامج كاملة ومتكاملة تعطيها أهلية الحكم واستلام السلطة عبر الحكومة لتنفيذ برامجها الموعودة والتي حملت ممثليها الحزبيين إلى البرلمان.
في الأردن، إما أن ترى التحولات عميقة جدا فتتعاظم عندك القدرة على فهم "أو تفهم بحذر" تضاربات المشهد ضمن رؤية تحولات عميقة، أو تراقب المشهد ضمن ذات مستوى الرؤية العادي ضمن اعتقاد "وهو اعتقاد مشروع" أن التحولات عادية وفي سياقها الطبيعي، فتتعاظم عندك الشكوك ضمن رؤية نقدية قد تلامس تذمر الناس اليومي والمعيشي.
فلنتفق أولا، أن أي قياسات في التحليل يجب أن لا تخرج عن سياقها الإقليمي، فالأردن ليس جزيرة معزولة، بل إن جغرافيته السياسية هي إشكاليته الحقيقية في تكوينه كدولة مضطرة للتشابك مع محيطها كله، وبمنسوب حساسية أكثر من أي دولة في ذلك الشرق البائس والمتخم بالأزمات، وهو ما يضع الأردن "بالضرورة" على الحافة في كل مفترق طرق إقليمي.
ولنتفق ثانيا، أن الدولة الأردنية منهكة، وقد انسحبت من دورها المؤسساتي "المحمي بالقانون" لصالح جماعات مصالح ونفوذ "معقدة التركيب"، صارت بحد ذاتها طبقة نخبوية "غير متجانسة"، وتؤثر في القرار.
طبعا، من البديهيات التي لا يمكن إغفالها، ويجب التذكير بها، وتذكرها باستمرار، أن الأردن فقير، وهذا واقعه وليس وصفا يدني من منزلته، هو فقير لا ثروات طبيعية لديه (الفوسفات ثروة طبيعية، وغير كافية بكل الأحوال)، وفقير مائيا، والمياه تحديدا عقدة الأردن الأزلية وصرخته الصحراوية المدوية.
أما قصة "الثروة الإنسانية" فهذا متغير تتحكم به صعودا أو هبوطا أحوال الدولة وسياساتها وحضورها الذي يمنح الرعاية لتلك الثروة، التي لا يمكن أن تكون ذات قيمة، بدون المعرفة والعلوم والوعي البعيد عن الدجل والغيبوبة الفكرية.
يمكن لنا أن نخوض جدلا لا ينتهي بجدية الإصلاح، لكن : في أي جدل "أردني" فإن آخر ما يحتاجه الأردنيون هو الجدل الشعبوي الذي سيستمر بإنتاج فقاعات الهواء على صيغة نخب سياسية أو فكرية، وكل ذلك على حساب العقل والوعي بالمرحلة "الانتقالية" العميقة وحساسيتها، وهذه "الشعبويات" ذات الصوت المرتفع والجعجعة بلا طحن، ستسمح بالمقابل لقوى الوضع الراهن من نخب فاسدة تشابكت مصالحها المتعددة في خطف مؤسسات الدولة بالتمدد، لتستفيد من كل الرداءة في المشهد السياسي مستخدمة خطاب "العقلانية" لتمرير الحشو البلاغي بلا قيمة حقيقية، وبذلك تبقى الدولة بمفهومها المؤسساتي والدستوري مثل "الضمير الغائب" في أي جملة سياسية مطروحة على الطاولة.
الغد