facebook
twitter
Youtube
Ammon on Apple Store
Ammon on Play Store
مواعيد الطيران
مواعيد الصلاة
rss
  • اخر التحديثات
  • الأكثر مشاهدة




ملامح التصوّر الفلسفي في "دموع كثيرة لعيد واحد" لـ"معاذ السمعي"


وداد أبوشنب
13-08-2023 06:09 PM

من الإجحاف أن يُقرأ هذا الديوان قراءة نقدية أحادية الرؤية، ومن الإجحاف أيضا أن نُخضعه لمناهج نقدية تقنية فحسب.

ككل عمل أدبي، لهذا الديوان مفاتيح عديدة، قدمها الشاعر لمتلقيه، وفتح له باب التأويل على مصراعيه، كل قارئ حسب أيديولوجيته وخلفيته الثقافية ومساره المعرفي أو العرفاني ومعتقده الديني بمعنى آخر كلّ حسب مرجعيته..

لشاعر يتقن الخوض في أجناس أدبية عديدة، يختار النثر أو النثيرة لقولبة بعض فكره وإحساسه، لأن النثيرة هي نوع عابر للأجناس، يستوعب أفكار المفكر وشعرية النص العالية وبلوَرة الرؤى الفلسفية عبر استرسال الشاعر دون قيد يعوق بوحَه وسرده وشعره، وقد قال الشاعر معاذ السمعي عن النثيرة في مقدمة ديوانه أثناء الحديث عن نفسه: ((إنّ النثرية النصية هي آخر ما يمكن أن يرتقي إليه الشاعر.. بمعنى أنها سدرة المنتهى وحلقة الخاتمة والحصيلة النهائية لملكوت الكتابة الشعرية. ولا أبالغ هنا.. فالأشكال الشعرية الأخرى بمثابة دروس أولية وحصص تنموية مكثفة من شأنها أن تؤهل الشاعر لاحتراف قصيدة النثر))(ديوان دموع كثيرة لعيد واحد ص12).

ومن جهة أخرى جاء الشاعر بمدخل لديوانه، سبينوزي الفكر والمعنى، جاء بنص من صياغته لكتابة باروخ سبينوزا، ليستدرج متلقيه لقراءة نصوصه قراءة سبينوزية المفاهيم والإدراك، ولم يكن هذا المدخل كنص موازٍ عشوائيَ الاختيار، بل كان مقصودا للدلالة على عمق محتوى ديوانه، والتي يبدأ المتلقي رسمها فور الانتهاء من قراءة المدخل حيث يقول في نهايته بعد الحديث عن الطبيعة والوجود والحب الخالص والنصوص المقدسة:

((لا أريدك أن تؤمن بي أريدك أن تحس بي في ذاتك.
إنّ الشيء الوحيد اليقيني هو أنك هنا وأنك حي
لا تبحث عني بعيدا"
فلن تجدني
أنا هنا
في الطبيعة
إن الكوسموس (الكون) هو أنا

فهو هنا إنما تبنى رؤية سبينوزا (الجوهر- الله – الطبيعة) الكون هو الله، حيث الوجود في قلب ماهية، والكون أو الكونيات كما يتحدث عنها فلاسفة الكون هو cosmology (بحرف الc الصغير) الذي يُعنى بدراسة فلسفة معنى الحياة وأسباب الوجود وغير ذلك بما يتعلق بالجانب الفلسفي.

نسّق الشاعر معاذ ديوانه بعناية، فجعل بدايته التعريف بنفسه وخاتمته "ثغور النايات"(167-174 من الديوان) حيث الحديثُ عن نفسه أو بالأحرى "سيرة ذاتية" ومعانته مع المرض وعلاجاته، واستراتيجية حيواته: النفسية والمادية والفكرية والصحية و... في البدء كان معاذ وفي الختام معاذ أيضا، يدور العالم حوله هو عنصر الطبيعة الكامل، معضلة الإنسان المتّحد مع الطبيعة والكون. في النص نفسه اشتغل معاذ على التفجير اللغوي وخلق المعنى من توليف تراكيب انزاحت عن المعهود، للتعبير عن هول الفاجعة أو الحال الذي ألمّ به فقام بشخصنة الأسبيرين وبقية الأقراص من الأدوية التي تعمل عملها دون انقطاع لذلك فهي بخير، نالت منه حبوب الأسبرين، وتملكته بقية الأقراص:
أنا بخير..

حبوب "الأسبرين"
التي تبتلعني بشكل يومي
وأقرا ص الــ" بلافيكس" والــ"زيروستات" أيضا
بخير..

أما العنوان فهو للقصيدة التي كان ترتيبها ما قبل الأخير من جملة قصائد الديوان، حمّلها الشاعر أنساقا مضمرة كثيرة تشي بأمراض المجتمع والواقع الهزيل المريض، دموع كثيرة تمثلت في التواء الأنفاق والسكاكين المتعبة والحوامات والطوافات والقذائف والنوايا السيئة التي اتسم بها مدخل العمارة وبوابة الموت ومخلوق العدم والجسد المتهالك وسيرة/صورة الأب المؤلمة والمواجع المغلَّفة بالحنين.. محفل مثقل بالمعاني المؤلمة، بالاختناق الذي لا ينفرج في نهايته إلا عن صورة للموت يتجاوز بها الشاعر العيد حيث يعود الأمر لحاله الأول كأنه طبيعي لا يدعو للقلق:
يبدو الأمر طبيعيا...!
لا شيء يدعو للقلق،
تجاوزنا
قيامة العيد
وعدنا،
كسالف العهد..
نتساقط في حفر الموتى..!!
كيف حالك الآن..؟!
دموع كثيرة تبقى رغم رحيل العيد المحدد بزمن معين!!
في هذه القصيدة كما في غيرها، يفاجئ الشاعر متلقيه بتغيير منطق التلقي فيضعه في حالة "خيبة انتظار" تخرجه عن التأويل المنطقي المألوف، كأن يقول:
لا أعاني من شيء
فقط قلب مفتوح
سُدّت شرايينه بزحمة الأصدقاء..
تماما بخير
آخر كلّ شهر يجب أن أتوسَّل إلى أحدهم
لأظلّ كذلك..
على أحدهم أن يتنحى قليلا..

فشرايينه المسدودة التي تحمل المدلول السلبي -المرض- جعلها تُسد بالأصدقاء من باب نثر الفرح على من يحبهم، فهو يتجاوز معاذا كشخص مريض ويتجاوز المعاناة التي يمر به أيضا، ويشتغل على تصدير الوجه المفرح المغلِّف للألم، يُنتج بالدوال السلبية مدلولات إيجابية تصدم المتلقي مهما كان مستواه، لكنه في واقع الأمر ينشد بالدرجة الأولى بعض المؤازرة النفسية على أقل تقدير، لذلك ترك باب المعنى مواربا باستخدام الدال الحقيقي والمعنى اللطيف الذي يوهم القارئ به، فانسداد الشرايين بالأصدقاء أمر مفرح، أمر اجتماعي جدا، لكن المعنى البعيد هو أن هذا الانسداد قاتل/مرضي، تبكي له القلوب قبل العيون، وهو معنى لا يصل إليه إلا القارئ الحصيف الذي يدرك ما وراء الغلالة المحيطة بالقصيدة لأن الشاعر قد تواطأ معه منذ البداية بإرسال إشارات تجعله يدخل معه في جوّ المؤازرة المنشودة.

ومع العنوان دائما، كان بإمكان الشاعر انتقاء أيا من عناوين نصوصه: قوالب جبلية أو ثغور النايات أو سلاتيح العتمة أو كافي سانس أو عدم أو فخاخ بيضاء أو أكوام الطين أو ... ذلك لأن التيمات التي تناولتها القصائد كلها تنبع من وحي فكر معاذ السمعي ومن روحه التي أرهقتها رؤاه الفلسفية التي لم تجد وقعها في واقع مترهل، خذله النص المرهق، وخذلته الطبيعة والوجود: ((أتعبتني لغات الكون يا بلقيس))(الديوان ص21) مع أنه يؤمن تماما بأن الله هو الوجود وهو المانح: ((الله منحني الإرادة الكاملة في قمرة الكون))(الديوان ص26)، إلا أنه يدرك أيضا أن ((الموت ضجيج لوجودية أخرى))(الديوان28) هذا الشاعر يصوغ فكره بالفكر وبالفكر النقيض، هذا المؤمن بوحدة الوجود كسبينوزا، يطرح عبر نصوصه أيضا مفاهيمَ الوجودية بعبثيتها وعدميتها، وكيف يقيم الموت ولائمه الفاخرة (الديوان ص48)، ويدرك أيضا قبل كل شيء أن الإنسان جوهر تتمظهر فيه الطبيعة كلها وخالقها..





  • لا يوجد تعليقات

تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة عمون الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة عمون الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم : *
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق : *
بقي لك 500 حرف
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :