بانا موظفة في القطاع العام.. تحمل رقما وطنيا كي نقول أنها أردنية.. تشغل منصبا إشرافيا..
لا أريد كيل المديح لها كي لا يظن البعض أنني أتغزل بها.. أولئك من هم على شاكلة من يصطاد في الماء العكر ومن لف لفهم من أصحاب اللسان الثرثار في شتى الصغائر والكبائر.. لكن مع هذا.. لا بد من ذكر بعض صفاتها كي لا نقول مميزاتها..
هي إدارية بل قيادبة.. ذات شخصية محبوبة بل كاريزمية.. ذكية لماحة سريعة البديهة.. نشيطة لا تكل ولا تمل من العمل الدؤوب ولو في ظروق صعبة كي لا نقول قاهرة.. خبيرة في مجال عملها.. ملمة بأدق تفاصيل شؤونه وأخطر دهاليزه.. كيف لا والمسؤولون عنها يستشيرونها في هذه أو تلك من شاردة أو واردة.. وليس من قبيل المبالغة إن قلنا أنها أمست مرجعا وثيقا لهم إن صادفوا معضلة ما في معترك عملهم ولسان حالهم: ما بتحلها إلا بانا..
وفي كل مرة تدنو الهيكلة دنوها المرتقب لدائرتها الرسمية.. يرشح بانا غالبية زملائها وزميلاتها للترقية إلى أحد المناصب القيادية.. وتأتي الهيكلة على خلاف التوقعات والتخمينات وبانا في مكانها.. لا ترقية ولا تزكية ولا ما يحزنون.. إلا الوعود الزائفة بتحقيق العدل لها في المرات القادمة..
وترتسم علامة استفهام على وجوه الزملاء والزميلات.. وعلى جدران المكاتب والممرات والسلالم: لماذا لا تتم ترقية بانا؟
وحينها تأخذ التحليلات مجراها قبل أن تتدفق المعلومات ثم تنبثق الشائعات فيختلط الحابل بالنابل وتضيع الحقيقة في غمغمة القيل والقال..
وبانا تستمع وتصغي.. تأخذ ولا تعطي.. لكنها تؤكد أنها مستمرة على ما هي عليه من إخلاص شديد لعملها الذي تحبه.. وأكبر مكافأة تحصل عليها في مقابل الإبداع والتميز في عملها: تقييم ممتاز..
ما ذنب بانا أن زوجها ليس أحد العاملين في جهة مهمة؟ ما خطأ بانا أن أحد عمومتها ليس مسؤولا رفيعا في إحدى المؤسسات الرسمية؟ ما جرم بانا أنها خارج دائرة إقليمية أو مناطقية أو طائفية أو عشائرية المسؤولين عنها في معادلات الترفيعات؟
وما ذنب الوطن في حرمان المئات من أمثال بانا في تسلم مراكز قيادية تليق بإمكاناتهم وكفاءاتهم وقدراتهم لأنهم لا بهرولون على الصيدليات لشراء فيتامين واو؟ ذلك أن ضمائرهم تأبى إلا أن تأخذ العدالة الوظيفية بيد المسؤول لمنح الكراسي الوثيرة لمن يستحق على مؤهلاته وخبراته ومواهبه ولات حين مناص..
تنفق نسبة من المال العام لغايات عقد المؤتمرات وعمل الأبحاث وإعداد الدراسات وإقامة الندوات لبحث ودراسة ومناقشة آليات وسبل ووسائل تطوير القطاع العام ورفع مستواه الإداري وزيادة قيمته الخدمية.. وما ذلك كله جملة وتفصيلا إلا خرط قتاد ما دامت بانا أسيرة الذهنية الإدارية الأردنية العاملة في إطار المحسوبيات وما يدور في فلكها من عصبيات قبلية وجغرافية ودينية وحتى نادوية ولربما حزبية في قادم الأيام..
بانا هي أنت أيها المواطن/ة.. والخاسر الأكبر: الوطن.. ويا حسرتي عليك يا وطني..