بداية العام الماضي، تحديدا بتاريخ 20 شباط 2022، كان السبق لعمون بالتحذير من الموجة المتوقعة لارتفاع أسعار الفائدة. ذات الخبر وصف سلسلة رفعات الفائدة بالتحدي الأكبر للاقتصاد الأردني في 2022 و2023.
المعطيات والحقائق اللاحقة أثبتت صحة التنبؤ. فأسعار فائدة الدينار ارتفعت منذ ذلك الحين ب 5 نقاط مئوية، من 2.5% إلى 7.5%. هذا الارتفاع شكل عبئا إضافيا على مختلف قطاعات الاقتصاد. وعندما نعلم بأن مديونية الحكومة المحلية تناهز 15 مليار دينار، ومديونية الأفراد حوالي 12 مليار دينار، والشركات 18 مليار دينار، وبأن الفائدة ارتفعت بالمتوسط على التسهيلات ب 3%، فلغة الأرقام تتحدث عن كلفة سنوية إضافية تقارب 1.35 مليار دينار، يتحمل المقترضون الأفراد منها 360 مليون دينار (على فرض ثبات مستزى الفائدة).
الكلفة المرتفعة لارتفاع الفائدة، والمرتبطة أساسا بالحفاظ على جاذبية الدينار واستقرار سعر الصرف، كان لها أن تبلغ أضعاف ما وصلت إليه لولا الإجراءات الرسمية لامتصاص الصدمة. والدليل على نجاح هذه الإجراءات أن سعر فائدة القروض ارتفع بالمتوسط من 2.5% إلى 3%، أي بنصف قيمة الارتفاع المعلن في سعر الفائدة بواقع 5%.
ومن العوامل التي ساهمت في الحد من ارتفاع فائدة القروض برنامج البنك المركزي لدعم القطاعات الاقتصادية بقيمة 1.2 مليار دينار، حيث كفل هذا البرنامج سعر فائدة مخفض وثابت على تسهيلات عدد كبير من الشركات. كما يحسب للإطار التشغيلي للسياسة النقدية ولتحسن النشاط السياحي والتصديري الحفاظ على معدلات سيولة محلية مرتفعة، حدت من ارتفاع فائدة الإقراض. وقد ساهمت تعليمات الشفافية الصادرة عن البنك المركزي بربط فائدة قروض الأفراد بنقاط تسعير مرجعية ضمن فترات زمنية محددة، وبما ساعد في تدرج ارتفاع الفائدة ومنع المغالاة في رفعها. ومما ساعد المقترضين الأفراد على احتواء صدمة ارتفاع الفائدة مبادرة البنك المركزي والبنوك التجارية بتثبيت الأقساط الشهرية للمقترضين مع تأجيل أثر الارتفاع إلى نهاية عمر القرض.
جميع هذه الإجراءات، إذ تستحق الإشادة، لا تلغي الكلفة الاقتصادية الضخمة المترتبة على ارتفاع الفائدة. كما أن قطاع الأفراد بقي الأكثر تعرضا والأقل تلقيا للدعم في مواجهة هذا الارتفاع مقارنة بالقطاعات الأخرى.
هنا عادة ما يجري الحديث عن مبادرات لتخفيض الفائدة على قروض الأفراد، وتحديدا قروض الإسكان ذات البعد الاجتماعي والاقتصادي والتنموي. المشكلة الرئيسية التي تواجه تطبيق هذه المبادرات تتعلق بحجم قروض الإسكان الضخم الذي يصل إلى 5 مليار دينار، وعدد المقترضين بعشرات الآلاف، مما يضع كلفة المبادرة فوق الحدود المقبولة، ويعقد من الآلية العملية لتطبيقها.
المعطيات السابقة تضعنا أمام خيارين. الأول الانتظار إلى أن تعاود فائدة الدولار، وبالتالي فائدة الدينار، الانخفاض. والثاني تضييق نطاق المستفيدين من الدعم والاعتماد على الأموال الراكدة في الاقتصاد.
فمن الممكن حصر المستفيدين بناء على قيمة العقار، وعدم امتلاك المستفيد لعقار آخر، والسداد الذاتي للقرض، وغير ذلك من المعايير. هذه الشروط يمكن أن تقلص قيمة القروض المستفيدة وعدد الأفراد المستفيدين إلى الحدود المقبولة. أما مصدر الدعم، فمن الممكن الاعتماد على الاحتياطيات الإلزامية للبنوك، والبالغة قيمتها 1.5 مليار دينار. فقد دأبت العديد من الدول المتقدمة والنامية على إلغاء الاحتياطيات الإلزامية المفروضة على البنوك، وهو ما يمكن الاستفادة منه لدعم قروض الإسكان. باختصار، المبادرة تقترح أن يستعيد البنك من احتياطياته الإلزامية ما يساوي قيمة قروض الإسكان على السعر المدعوم المحدد مع البنك المركزي. بهذه الحالة البنك يربح أموالا جديدة وعوائد جديدة، والمقترض يكسب سعر فائدة أقل، والبنك المركزي يضخ في الاقتصاد أموالا كانت مجمدة دون غاية تذكر.
مبادرة أخرى يمكن التفكير بها تكمن في الاستفادة من التجربة الناجحة لصندوق الائتمان العسكري، وإطلاق تجربة مماثلة للقطاع الحكومي المدني. في هذه الحالة، يمكن للحكومة أن تستخدم جزءا من ودائعها في الجهاز المصرفي لتمويل قروض إسكان لموظفيها عبر البنوك التجارية على أسعار فائدة مخفضة وضمن شروط مسهلة. صحيح أن هذا يحصر الفائدة بموظفي الدولة، ولكننا نعلم بأن هذه الفئة مستحقة في معظمها للدعم. وهي ليست ممارسة غريبة أن تدعم الجهات الموظفة العاملين لديها في مجالات السكن والتعليم.
يبقى أخيرا التأكيد بأن المبادرات المطروحة أولية يمكن أن تكون مجدية أو يثبت عدم قابليتها للتطبيق. وهي جزء من المحاولات المستمرة لتسليط الضوء على الحلول كما التحديات والمعيقات.