ما قبل التحديث السياسي وما بعده .. أين الفارق؟
النائب الاسبق د. بسام البطوش
13-08-2023 04:33 PM
قبل البدء بعملية التحديث السياسي كان المشهد العام يقع في دائرة السبات السياسي واللايقين. وتبادل الأردنيون الشكوى، وطُرحت تساؤلات حول المسار الاصلاحي الذي سندخل به المئوية الثانية. وجرى التساؤل حول الإرادة السياسية والنهج السياسي. وتركّزت الشكوى العامة في ثلاثة هموم/ قضايا رئيسة:
• مجلس النواب، والانتخابات النيابية وقوانينها، والعملية الانتخابية، وأداء المجلس ومكانته ودوره؛ والشكوى من تدني نسبة المشاركة في العملية الانتخابية، ومن سيطرة الفردية والأبعاد الاجتماعية والجهوية، ومن تغوّل المال السياسي في الانتخابات وفي أروقة المجلس، ومن غياب الكتل السياسية والبرامجية.
• الأحزاب، بوصفها أحد مؤشرات ضعف الحياة السياسية، وبما تعانيه من إشكالات ذاتية وموضوعية، وبما أصابها من ضمور وجمود وإنزواء عن الفعل والتأثير، وفقدانها البرامج الواقعية، وعجزها عن انتزاع ثقة الأردنيين.
• الحكومات، بقيت التساؤلات تتفاعل حول آلية تشكيل الحكومات، وما هي برامجها؟ وما الناظم السياسي لها؟ وما آفاق المستقبل لتغيير آليات التشكيل. وهذا ما استشعره جلالة الملك وطرحه في الأوراق النقاشية وفي مناسبات عدة منذ العام 2012 على ضرورة الانتقال إلى الحكومات البرلمانية، وجرى التعاطي مع فكرة المشاورات النيابية 2013 لتشكيل الحكومة، وبقيت الأنظار تتطلع لخارطة طريق ولمسار.
أخذ جلالة الملك زمام المبادرة، وأمر بتشكيل لجنة تحديث المنظومة السياسية لفتح مسار جديد في مفتتح المئوية الثانية. وجاءت رزمة تحديثات دستورية وقانونية بهدف تطوير البيئة السياسية وتعزيز الحياة البرلمانية، وتنمية الأحزاب وتمكين الشباب والمرأة، ورسم خارطة طريق للحكومات البرلمانية.
ومنح قانون الانتخاب للناخب صوتان، واحد للدائرة المحلية الموسّعة، والثاني للدائرة العامة الحزبية، ومنح جرعة حياة حقيقية للأحزاب عبر منحها فرصة مثالية لشغل 41 مقعداً نيابياً، بنسبة تمثيل 30% في المجلس النيابي 20، سترتفع إلى 50% في المجلس 21، و65% في المجلس 22 كحد أدنى. ونصّ قانون الانتخاب على تطبيق النظام النسبي المفتوح على مستوى الدائرة المحلية، والنظام النسبي المغلق على مستوى الدائرة الوطنية الحزبية. ونصّ على تطبيق نسبة الحسم 2.5% على مستوى الدائرة الوطنية العامة، و7% على مستوى الدائرة المحلية في انتخابات المجلس النيابي 20. ووسّع الدوائر الانتخابية. ومنح الشباب والمرأة تمكيناً للمشاركة السياسية، وخفّض سنّ الترشّح لعمر 25 سنة، وعزّز فرص تحوّل السلوك الانتخابي ليصبح على أساس برامجي وفكري.
وعلى صعيد الحياة الحزبية، منح قانون الأحزاب السياسية الأردنيين حرية أكبر في تأسيس الأحزاب، ووفر الحماية للمنتسبين لها، مما دفع الأحزاب لإعادة إنتاج ذاتها، وفتح الباب لظهور أحزاب جديدة، وحفّز المترددين والمتخوفين على الاندماج في العمل الحزبي.
أما على صعيد تشكيل الحكومات، فقد هدفت قوانين الانتخاب والأحزاب إلى خلق الأرضية الحقيقية لتشكيل برلمان قائم على نظام كتلوي برامجي سياسي، يمهّد لقدوم حكومات برلمانية حزبية وفقاً للمادة 35 من الدستور، تنبثق عن كتل حزبية برلمانية معبّرة عن الإرادة العامة للناخبين، مما يعطيها القوة للعمل على تطبيق برامجها السياسية والاقتصادية والاجتماعية. وهنا، سيفهم المواطن ما هي القاعدة البرلمانية التي تسند الحكومة وتدعم برنامجها؟ ولماذا وكيف تشكّل الطاقم الوزاري؟ وكيف تفكّر الحكومة؟ وعلى أي أساس نالت ثقة النواب؟
ومن جانبها دعّمت رزمة التعديلات الدستورية خارطة الطريق هذه، عبر تعزيز مبدأ الفصل بين السلطات، بمنع الجمع بين موقعي النيابة والوزارة، وعززت عمل الكتل النيابية، والدور الرقابي لمجلس النواب، وعملت على منح مجلس النواب الحق في إحالة الوزير العامل للقضاء، وتعزيز قدرة الأقلية البرلمانية على اللجوء للمحكمة الدستورية لتفسير نصوص الدستور والطعن في دستورية القوانين والأنظمة النافذة.
وبهدف استقرار التشريعات الناظمة للحياة السياسية كقوانين الأحزاب السياسية والانتخاب والقضاء وديوان المحاسبة والهيئة المستقلة والنزاهة ومكافحة الفساد اشترطت إقرارها وتعديلها بأغلبية ثلثي الأعضاء الحاضرين في مجلس النواب.
أما بعد، فثمة تحديث، وثمة أمل، وثمة ملامح لنهج جديد، وثمة إرادة سياسية للتحرك في مسارات جديدة، وثمة تطلع لأن تُحدث هذه الاصلاحات فرقاً حقيقياً في تغيير حالة الما قبل، وأن تنتج حالة الما بعد على أفضل الوجوه، وثمة أمل بجودة التنفيذ الرسمي، وبجودة المشاركة الشعبية، وهذا يستحق وقفة أخرى.