ابورمان ظاهرة تستحق الحوار!
أحمد سلامة
13-08-2023 03:33 PM
اعترف انهم ليسوا كثيرين من احرص على قراءة ما يكتبون في القضايا الوطنية، ذلك انني احبذ ان اصرف (مكنتي) في الصبر على القراءة ما يفيدني من رواية او سيرة معتبرة او مراجعة لكتاب تاريخي وهكذا… لانه اولا قلة عندنا من تستحق بذل جهد للاطلاع على ما تقول..
ولا ابوح بشيء يفيد او يضر ان قلت ان الدكتور المحترم محمد ابو رمان من اولئك النفر الذي احرص على ما يكتب رغم انه عادة يكتب في الخارج وليس للخارج على اما اطمئن له..
وانا في العادة لا ابجل اي فكرة قادمة من الخارج من ابناء الوطن.. وعلى هذا القياس لم يقع في حياتي ان قبلت (وكان ذلك متاحا لي) ان كتبت حرفا خارج الوطن حتى وانا اقيم في لندن او البحرين او القاهرة!!
تلك فلسفة خلافية ليس هنا مجال تفنيدها او دعمها
الدكتور محمد ابو رمان.. لم التقيه في حياتي قط فهو ينتمي لجيل غير جيلي، ولمدرسة في التفكير غير مدرستي، لكننا تبادلنا الهواتف مرات محدودة، واهداني بطلب مني كتابه في التصوف وهو كتاب عندي اقدره للغاية وثمين بابداعه، كما انني لحظته على حافة قبر الحبيب الصديق (امجد ناصر / يحيى النعيمي) رحمه الله وكان وقتذاك يشغل في حكومة شبهها من احبها بحكومة (المرحوم سليمان النابلسي، اعني حكومة دولة الدكتور عمر الرزاز) ووقف معاليه على طرف وانا كنت على طرف اخر والحق انني شغلت في تلك اللحظة
بالتدقيق في ملامح عريب الرنتاوي الذي جمعه مع امجد قصص قديمة ولم نتحاك
بقي سطر اخر، ولدي اسامة الذي انغمس في الاعلام حتى المنتهى وترك القانون، ولم يزل رغم انه برح اعلام السلطة، ظل يلح علي بضرورة ان ارى في شخص معالي الدكتور محمد ابو رمان زوايا مبهرة في الوعي وهو ظل كذلك وقد حفزني بالفعل ان احدق في نوايا حروف الاستاذ محمد علني اعثر فيها على الحسن
لهذا كله احرص على قراءة كل ما يكتبه الدكتور ابو رمان لكني وبمنتهى الصراحة اظل متوترا واقلع الصخور من تحت ما يكتب عل جحر لعقرب لاسع او افعى قاتلة تربض من تحت بعض الحروف.. وغالبا لم اعثر على ذلك رغم كل الروح النقدية التي تطغى على كل لغته !!
كتب اخي النبيل الدكتور محمد ابو رمان مقالة قرأتها في (عمون) هذا الصبح وفي ظل الحرارة التي تخنق الارواح خشيت ان ارد او اداخل على ما كتبه من افكار لا اقول خطيرة في سعيه لتأصيل جهل النخب وانحدار مستوى رجالات السلطة الايديولوجيين، لذلك تمهلت حتى الظهر لاستوعب كل النوايا
شخصيا لم اقرأ في حياتي نصا بمعزل عن النوايا ولذلك لم اخدع بما طفا على سطح اوهام الوعي من كتابات عصابية متشنجة مدججة بالصراخ وتخلو من المعرفة وتدعي الوعي او الوطنية او النقد المر لانني دوما كنت (اقلع الصخور التي تجلل الحروف وابحث عن افاعي الحروف)
فيما يخص الدكتور محمد ابو رمان اود اشهار استسلامي لطيبة حروفه وصدق نواياه باعتباره احد اركان (الطبخ المشتهى) لقرارات الدولة
منذ ان استبدت النخب ذات (التوهم اليساري الديني او التديني اليساري بمقادير القرار) وهو في صلب النخبة الحداثية المهيمنة على الروح الاردنية في العشر سنوات الاخيرة على الاقل، وميزة الدكتور محمد ليس انه صانع فكر لنخبة تحكم وتتحكم في مفاصل جوهرية مثل مفصل الاعلام ومفصل الاستطلاعات ومفصل الكتابة التوجيهية او التحريضية ومفصل الاشتباك مع مؤسسات التمويل الاجنبي ومفصل الوزارة وطبخ وجبة الاعيان الاخيرة على ما يشاع وحظي بكوتا مرموقة على ما يتم تداوله في اللجنة الموقرة التي انجبت الاصلاحات الباذخة في ديموقراطيتها!!
كل هذا من بعض ما يوسم به الدكتور محمد من حاسديه او مشايعيه لا فرق في النتيجة
وتأسيسا على ما سبق فإن مداخلته حول انحدار النخب السلطوية تكتسب خطورة وحساسية لأنها تصدر عن (ذات) منغمس حتى النخاع بهذه النخب وكان المقالة (نقدا ذاتيا جسورا لما هو فيه الدكتور محمد من معاناة)
ولعل الذي استوقفني في كل مداخلة صاحب المعالي ان لغته (معرضة في المطلق وكأنه لم يعمل وزيرا في اخطر حقل هو حقل الثقافة) وعلى ما يشاع لم يزل يحتفظ باوثق الصلات ما ظهر منها وما بطن برجالات الحكم الاقوياء واصحاب قرار، وكذلك اتهامه العلني والصريح ووصمه من يدافع عن الحكم او من هو من كتاب السلطة بالضحالة والجهل والسطحية..
ورغم انني لم اجد نفسي الا معنيا في الذي قاله فقد التمس من معاليه ان يحتمل اجابتي حتى لو كنت من الجاهليين السطحيين
اولا: عقب الجنون الاسلامي المتمثل في اختطاف الدين من احد رموز الوهابية السلفية الباغية (اسامة بن لادن) وفعلته في 11 سبتمبر مطلع الالفية افقدنا هذا الجنون (العراق، وفرصة الانفلات من التحكم الاستخباري الامريكي)
لقد اختطف الاسلاميون فرصة الدهر حين انقضوا على العاصمة الامبريالية بقرار فردي طائش وبالتالي خسرنا اول المواجهة مع العولمة
حين اضحت كل الامة العربية اول (بروفة للعولمة واستباح قبضايها بوش) موطن القوة في الشرق العربي (بغداد) ومن ثم دمشق، ولم يكن للانظمة الموماء اليها في المقالة المحترمة لا قبل الربيع العربي ولا بعده اي مدخل في الانحدار…
لقد صنع الانحدار كحاصل جمع لحوار بالسلاح بين الامبريالية الامريكية والقوى الاسلامية المحافظة التي اختطفت الفقه والشريعة من سماحة ابو حنيفة ومالك بن انس والشافعي واودعتها في حجر ابن تيمية وابن عبد الوهاب
هل كان للاردن دور في ذلك ؟!
نعم كان الاردن اول ضحايا العولمة وانا هنا اتحدث في التاريخ ولا ادافع عن موقف سياسي فاقول (ان جسارة سيدنا الملك عبدالله الذي كان اول حاكم في العالم اصر ان يقتحم غيب اغلاق الاجواء الامريكية ويهبط بطائرته مستنكرا الفعل غير المسؤول في واشنطن) كان هذا الفعل بارادة ووعي
من جعلنا من الخارجين من حساب من معنا فهو ضدنا وانه لمن الظلم ان يتم القفز عن هذه اللحظة من المؤرخين وما انتجته من رفاه ونمو في بلادنا حتى حافة الركود العالمي.. ويتم الدخول للحديث عن الربيع العربي وازعم ان نخبة من حول الملك كانت جديرة بالاحترام والشكر اسهمت في تعويضنا عن لحظة السقوط المدوي لبغداد (في حضننا)
لقد كانت النخبة تعمل مخلصة لتعوض الافتقاد الاردني لبغداد وتعيد ترتيب حالها على نحو جديد، وكان ذلك ما يقارب المعجزة
ثانيا: ما معنى النخبة ؟!
ثمة بشر كثيرون يتعاطون الثقافة ووهم الوعي والتنظير وادعاء ان الاحزاب المعارضة اكفاء من اطر الدولة تلك فرية روج اليها الاسلاميون واليساريون سواء بسواء لكن الواقع قد قدم تعريفا اكثر وطنية للنخبة
النخبة هي تلك المجموعة من البشر التي تستطيع اسناد الحاكم لتجعله مستنيرا وتعمل دون تعصب لحزب او جهة وتكون وطنية الروح بالمعنى الشامل وبهذا المعنى فان النخبة الاردنية الموالية للحكم ومن اندمجت في اطاراته كانت انضج وكانت ارقى وكانت واقعية
اكثر من نخبة الاسلام السياسي حين تولى مقاليد الحياة في مصر (وطاش السهم بين خيرت الشاطر والمرحوم محمد مرسي)
لقد فشل الاسلام السياسي في صناعة نخبة بديلة لنخبة الحكم في مصر وكذا فعل الغنوشي المجاهد المستبد وقبلهما حسن الترابي، كما ان اليسار في حماس واليسار في فتح وكذلك اليمين من الجهتين لم يصنعا نخبة بديلة للحكم الهاشمي في الضفة الغربية ولا حتى الحكم العسكري المصري في غزة وتبخرت التجربة بالانقسام
ولعل كل النخب المعارضة تدرك ان بقية التجارب معلومة للجميع بنتائجها
انا ضد المنطق الذي يتبجح بأن تجربة الاحزاب السياسية القادمة للأردن هي وصفة الانقاذ من ويلات النظام كما يولول دعاة الاحزاب
الاحزاب اداة من ادوات التجريب للدولة (وهذا رأي شخصي لا يستند الى أي دعم او توجيه من أحد في الدولة) قد يفشل وقد ينجح ومع كل التقدير للتجربة الحزبية لم تنجزها نخب بل بشر بها (ملك من سلالة نبيلة) رأت ونفذت وحققت للاردن كل ما هو خير
هل لدينا عيوب ؟!
حتى دولة المدينة المنورة اول مملكة عقيدة للامة ما ادعى بناتها خلوها من عيوب
ثالثا: إن الحادي عشر من سبتمبر (ايلول اول الالفية) قد انهى هيمنة اثار معاهدة ويستفاليا على العالم التي بدأت في مايو أيار عام ١٦٤٨ حيث كان الساسة يحكمون العالم حتى مطلع فعلة اسامة بن لادن في نيويورك حيث انتقلت البشرية الى الامني واستبدلت دور السياسي الريادي الى كل ما هو أمني
لقد صمم مترنيخ الوزير النمساوي المذهل ايديولوجية لحكم البشرية وهي أن الساسة والفكر يتقدم على ما دون سواه لذا كان هنري كيسنجر يحكم الكون بالسياسة ولما اكرم الاسلاميون الدنيا بفعلتهم انتقلت البشرية الى طور اخر في التفكير واضحى الامني هو الحاكم والسياسي هو المنفذ
إن النخب التي تجيء من حضن الامني ليس بالضرورة ان تكون على دراية ب هربرت ماركيوز ولا فوكو ولا غرامشي ولماذا انتحر التشوسير؟!
اضحى التنفيذ هو الاصل في واجب النخبة
ان الاشتباك بين جمعية المعلمين وحكومة دولة الدكتور عمر الرزاز اثبت ان الدولة الاردنية لم تزل الاستثناء في منح دور ولو مضيق عليه للسياسي مع الامني وعلى ما قيل حينها ان معالي الدكتور محمد ابو رمان وهو قد تسرب لنخبة الدولة من قاعدة الاسلامين هو من كان نفسه كوزير يقود الحوار مع (الجماعة) لفك الاضراب او الوصول الى اتفاق
قد يكون من الصحيح ان الامني كان يترصد بسطوته الحوار وهذا حقه لكن الحق يجب ان يقال ان النظام في بلادنا يجدد نخبه ولم يزل يتقبل الاخر
ان الطيف ممن تبوءوا الرئاسات للوزارة على مدار حكم سيدنا الملك عبدالله يؤكد ما ذهبت اليه…. إن استبدال طلال الشرفات ومد الله الطراونة في مجلس الاعيان وغيرهم وهم محسوبون على نخبة اليمين في الدولة بنخبة طيبة من اليسار المتدفق حيوية واثبت في تصديه لقانون الجرائم الإلكترونية مرونة هذا الحكم وكيفية ان الاذكياء ما زالوا هم من في صفه اولم تكن اللجنة التي ترأسها رئيس وزراء سابق قد جمعت كل الوان الطيف كل الوان الطيف الاذكياء والاقل ذكاء والنخبة والطليعة واليسار واليمين وهكذا !!
وهذه اللجنة ليست فتحا ولم تكون جديدة بل تكرر شكلها في لجان ملكية سابقة (الاردن اولا) و(كلنا الاردن) و(لجان الحوار الوطني)
و(الاجندة) وغيرها الكثير بل إن وجود هذا الطيف من دولة عبد الرؤوف، لـ عبدالله النسور، لـ معروف البخيت، عدنان بدران، فيصل الفايز، وعمر الرزاز يدلل على ان النخب في الاردن تتشكل ليس على قاعدة الغباء
ختاما: لقد عاصرت في الصحافة تجربتين اقف على ذكرهما، تجربة حكومة الدكتور معروف البخيت شافاه الله وهو كان إلى حد كبير صديق واتيحت لنا ظروف التسعينيات ان نعمل معا وكان معالي الاستاذ عبدالله ابو رمان (شقيق معالي الدكتور محمد) وزيرا للإعلام او وزير دولة للاعلام للدقة
واختلفنا مع الحكومة حد اضطرارنا ان اغادر الاردن ١٢ سنة واعتبرت الحكومة ذاتها هي الوصية على الرسالة الوطنية وكان ذلك في باب المباح وفي حكومة دولة الدكتور عمر الرزاز (وكان معالي الدكتور محمد احد اهم منظريها) قد فتكت بي على المستوى المهني حين كتبت مقالة من وجهة نظري كانت وطنية وضرورية ولم ارتكب اية خطيئة قبل التحريف قصدت مقالة (اين الملك) ذائعة الصيت
ولقد كانت قسوة الحكومة اشد واكثر ضراوة من الناقدين التحريفيين العبثيين
السؤال هل الاردن يحكم بدون نخبة؟!
إن كان الجواب على طريقة مخاتير زمان (اذا ما كنت فيها بخلي القرد يلعب فيها) فإن معالي الدكتور محمد ابو رمان لم يزل فيها حتى النخاع، حتى العظم
انا من المؤمنين ان دولتنا موقرة ومهيبة ونخبتها قادرة وجلالة مليكنا حفظه الله من كل سوء وابعد عنه الحاشية المزيفة (بضم الميم وكسر الياء) هو من انبل من حكم في العالم العربي وطنية وعروبة ورحمة، ولانني لا غرض عندي باذن الله شخصي في شهادتي فهي لله سبحانه وبين يديه وهي للاردني الذي يريد ان يفهم (ان الهاشميين ونبل امتنا الاردنية) هي من جنبت نسوتنا عقدة (البقجة على الرأس) من الكويت حتى السودان ومن مصر حتى العراق
مورس ذلك الجور على انسانية العرب إلا حكمة بني هاشم فانهم جنبونا هذه المذلة
اختم بقصة عن جلالة الملك في عز معمعان الربيع العربي الذي لم نكتشف بعد من قطع حبله السري
كنت اعمل مع سمو لي عهد البحرين ربما ان ذلك قد وقع عام ٢٠١٢، وكان ولي العهد سمو الامير سلمان بن حمد ال خليفة في زيارة لمكتب (ميريكل المستشارة الالمانية الباذخة في سمو وطنيتها)، كنت في معيته قرابة الساعة السابعة على حواف رأس السنة
لأن شجرة عيد الميلاد كانت تملأ المدخل الرئاسي، وعلى حين فجأة قالت ميريكل لسمو ولي عهد البحرين غدا سألتقي جلالة ملك الأردن عبدالله جاء في زيارة مستعجلة لانقاذ السلطة الوطنية الفلسطينية، ليس لديهم رواتب هذا الشهر
في ذلك اليوم كانت مظاهرات صاخبة في كل الأردن تهتف ضد الملك، وصفنت بحزن شديد
في طريق الاياب لفندق كمبنسكي، قال لي ولي العهد انني ساتعشى مع الملك في فندق الريتز حيث يقيم، وسألني شو رأيك كيف وضع الأردن وسمو ولي العهد محب للأردن كثيرا، اجبته الم تسمع سموك هدول الهاشميين الله معهم والاردنيون لهم ومعهم
الاردني (يلز) على العرش لكنه ابد ما بهز عرشه
من لا يهز العرش هو النخبوي الامين والنخبوي الصالح اليس كذلك يا معالي الاستاذ
واسلم لكل من يحب روحك وقلمك..