الصناعة المعرفية والموجات المخدرة
د. حازم قشوع
13-08-2023 12:32 PM
نجح الذكاء الإصطناعي بإيصال الخدمة اللاموارئية عن طريق الانتقال بالمنتج للجسم البشري عبر الدائرة النفسية وليس الجسدية، وهو ما يعد إختراق نوعي معرفي قويم إذا ما تم تحديد مساراته المعرفية لتبقى تدور بمنظومة الفائدة السلمية وليس العوائد المنفعية، التي لا تعبأ بالقيم والمبادىء ولا تقوم الا على الإنتفاع والنفعية فإن العلوم أينما وضعت جاءت بنتائج متجانسة مع محتواها البيئي وحواضنها المحيطة.
وبهذا الاختراع النوعي للصناعة المعرفية يكون باب الاجتهاد قد فتح ذراعيه لإبتكارات أخرى وابداعات أوسع ستسمح لإيجاد إضافات جديدة في مجالات عدة بعدما نجحت هذه التجارب من رسائل نصية مؤثرة على البشرية عبر موجة غير حسية من دون وجود كيان مادي ملموس، وذلك بنقل أنواع من المخدرات عبر الأمواج الصوتية بدون أدوية يتم تعاطيها أو مركبات يمكن إستنشاقها أو إبر يتم حقن الجسم فيها مع ذلك تحقق ذات النتائج ونفس مفعول المخدر المادي.
المخدرات الرقمية (Digital Drugs) تربط بطريقة مباشرة مع طريقة ونوعية الحياة القادمة للمعيشة والتعاطي مع نماذج الحياة المعاصرة والعالم الإفتراضي الذي إستحوذ على حياة الناس وربطهم بشكل مباشر مع شبكة إتصالات عنكبوتية تدخل المخدرات الرقمية لأي مكان وتوصله لأي شخص دون رادع أو ضابط يحول دون وصول هذه الأمواج الصوتية بما تحمل إلى عناصر الإستهداف.
ذلك لأن المتعاطي للمخدرات الرقمية لن يكون بحاجة إلى مواد مثل الهيروين أو الكوكايين أو الكريستال أو أي مادة مخدرة أخرى غيرها، ولن يكون بحاجة إلا لخدمة الإنترنت مع سماعات للأذن يستمع من خلالها إلى ملفات صوتية تترافق أحياناً مع مواد بصرية وأشكال وألوان متحركة تتحرك وتتغير وفق ترددات ونماذج هندسة مبرمجة، حيث تقوم هذه الموجات على خداع الدماغ عن طريق بث أمواج صوتية مختلفة التردد في كل أذن تصل اليها وهو ما يجعل من هذه الموجات تحاكي إحساس أحد أنواع المخدرات التقليدية.
الأمر الذي يجعل من هذا النوع من المخدرات يشكل خطرا واسعا كونه قادر على أن يزحف إلى بيوتنا عبر مواقع الإنترنت بكل سهولة وتدمير الصحة وسلب الوقت ببساطة كما تضعف النشاط الى حد الخمول وسلب الإرادة، ولأنها مخدرات سمعية بعكس المخدرات التقليدية فان إنتشارها ينتظر أن يكون واسعا كما أن هذه المخدرات يصعب الكشف عن رواسبها في الجسم كونها تدخل من الدائرة النفسية وليس الجسمية التي توصف بالمخدرات الكيماوية والتي كان يتم الكشف عنها بإجراء التحاليل الطبية.
ولأن المخدرات الرقمية تعتبر ملفات صوتية ترسل بواسطة نغمات معرفية خاصة وتنتقل عن طريق موجات صوتية يصعب السيطرة فإن العمل على وجود مصدات رادعة والحصول عليها بات أمر مهم حتى تستطيع إيجاد حالة علاجية وأخرى وقائية تعمل للحد من انتشار هذه الظاهرة ما أمكن كونها تقوم بالتلاعب بكهرباء المخ وتجعله بحالة خدر تشبه حالة تعاطي المخدرات الحقيقية وهو ما يجعلها صعبة الإحتواء لسهولة تعاطيها على إعتبارها "نوته" موسيقية ترتكز على مبدأ الطنين والنقر لتعطي صاحبها شيئاً من البهجة والمتعة تجعله ينتشي كما لو أخذ مخدرا حقيقيا فاعلا.
إن إنتقال الصناعة المعرفية من طور المشاهدة إلى أطوار المعايشة والتأثير تجعل من علوم الذكاء الإصطناعي بحاجة إلى محددات واضحة ونظم بائنة، إضافة لضوابط معلومة تحقق لها مسارات الإنتشار المحددة وتبين لها حواضن الإستهدافات الخاصة وهو برنامج العمل الذي أن يكون نصب عين بيت القرار العالمي للذكاء الإصطناعي في سيلكون فالي.
فكما أوجد قنوات داعمة وراعية للصناعة المعرفية لابد من إيجاد عناية خاصة في الأدب المعرفي حتى يتم في المحصلة تكوين نظام ضوابط وموازين يحفظ لهذه العلوم مساراتها ويحدد حواضن عملها بدقة ويوجد برامج للوقاية وآخر للعلاج.
قبل أن يتم إقرار الإختراع وتحديد منصات إرساله فإن سلامة الانسان محور إرتكاز الأدب والعلوم في الفكر كما في المنهج والنهج وهو ما يبينه كتابي الذي يحمل عنوان "الصناعة المعرفية والأدب المعرفي" .