إسرائيل مضطربة إزاء السياسة السورية: الأصوات من حزبي "كاديما" و"الليكود" , تتعالى من أجل " حكومة طوارئ وطنية" لمجابهة التسلح السوري المدعوم إيرانيا, بل وهناك , في إسرائيل , مَن ينادي بالاستعداد للتعامل مع خطر انتقال التكنولوجيا القتالية الكيميائية والنووية الإيرانية إلى أيدي السوريين. وإذا كان رئيس الدولة, شمعون بيرس, يرى أنه لا سلام مع الرئيس بشار الأسد, مؤيدا الموقف الأمريكي الرافض للتفاوض معه, فان رئيس الوزراء أيهود أولمرت, لا يستطيع المغامرة بالتصعيد. وهو ما يزال يسمع "أجراس السلام " في دمشق , لكنه يراوغ. فهو يتجاهل المطلب السوري الراسخ بتوفير ضمانات مكتوبة للانسحاب من الجولان إلى حدود 4 حزيران, ويقترح مفاوضات "مفتوحة" يعرف جيدا أن السوريين لا يأبهون بها.لا يوجد أي غموض في الموقف السوري. فالرئيس بشار لا يستطيع أن يتزحزح شعرة واحدة عن التزام والده بسلام من دون تطبيع , مقابل انسحاب كامل بلا شروط. لكن الأسد الابن , بعكس الأسد الأب, لا يستطيع الانتظار طويلا. فاستعادة الجولان, سلما أو حربا, هي المدخل الوحيد لتحقيق الشرعية الوطنية لقيادته, وتمكينه من إحداث التغييرات الإصلاحية التي يتبناها, دون أن يتمكن من المبادرة الى تنفيذها, قبل تأمين حل مشرف لملف الجولان والصراع مع اسرائيل.
هكذا, يبدو الرئيس بشار" مغامرا" في أعين الإسرائيليين . بمعنى أنه يستعد لحرب ضرورية لا يمكن وقفها إلا بالشروع بمفاوضات جادة تلتزم بخط 4 حزيران المقدس سورياً. هكذا تجد إسرائيل نفسها أمام مأزق استراتيجي, هي, اليوم, أضعف من أن تخرج منه: فلا هي قادرة على اتخاذ القرار اللازم للسلام, ولا هي قادرة على الذهاب للحرب. وهو ما يجعلها مضطربة وخائفة, كما لم تكن في تاريخها.
ليس سراً أن سورية تتسلح , وأنها تستعين بالدعم الإيراني غير المحدود المتاح لها في ظل رئاسة أحمدي نجاد واستراتيجية طهران النووية. لكن دمشق ليست تبعاً سياسيا للإيرانيين. وهي تملك سياساتها الخاصة إزاء كل الملفات الإقليمية: العراق ولبنان وفلسطين والتسوية مع إسرائيل.
تنزع دمشق إلى تحجيم النفوذ الإيراني في العراق. وبالمقابل, تنزع طهران إلى تحجيم النفوذ السوري في لبنان. ولا شك أن السوريين بعكس حلفائهم يأملون في تسوية مشرفة مع إسرائيل, تكرس الاستقرار الضروري للتقدم السوري, وتسمح بإعادة ترتيب العلاقات السياسية والاقتصادية والأمنية في بلاد الشام والعراق على أسس تنموية جديدة.
المشروع الامبراطوري للامبريالية الأمريكية هو الذي يمنع أو ما زال يمنع انبثاق هذا الأفق, ما يجعل البديل الممكن أمام دمشق هو توثيق التحالف مع إيران, والتصعيد على كل الجبهات. وتدرك القيادة السورية, بمعيار حساس للغاية, موازين القوى في المنطقة. فالمشروع الأمريكي آيل إلى هزيمة حتمية, لكن ما تزال واشنطن قوية كفاية لاستدراجها إلى صفقة. وفيما يتصل بإسرائيل, من الواضح أن دمشق توصلت , بالفعل, منذ حرب تموز ,2006 إلى تقويم استراتيجي جديد حيال هذا الكيان المتداعي في مكانته ودوره وبنيته السياسية وقدراته الردعية. ويسمح هذا التقويم لسورية بانتهاج خيار الحرب أو خيار السلام مع تل أبيب. فلا الحرب معها غدت مغامرة, ولا السلام معها سيؤدي إلى تغيير بنيوي في البلد, كما كان الحال في مصر- كامب ديفيد.
إسرائيل, بالمقابل, لم تعد تملك خيار الحرب ولا السلام. إسرائيل التي ظهر أنها مجرد أداة أمريكية تتقهقر, وسيكون على الإسرائيليين , مواجهة الموقف العسير الآتي. ذلك أن سفن البنتاجون لن تحملهم مع القوات الأمريكية المنسحبة من العراق والمنطقة.