يتابع العالم مجريات ما تسمى بالحرب الأوكرانية شيوعا، ويتمنى أن تنتهي إلى سلام دائم، وشخصيا جاء كتابي الثالث في شأن السياسة الروسية والدولية هذا العام 2023 بعنوان "الحرب التي يراد لها أن لا تنتهي الروسية الأوكرانية ومع (الناتو) بالوكالة" داعيا للسلام ومقدما له على الحرب وعبر التحليل السياسي والصحفي والإعلامي، وبموضوعية متمسكا بالرأي والرأي الآخر، ومعتمدا على مصادر متنوعة، وشارك في كتابة تقدمته وبشجاعة دولة السيد الصديق طاهر المصري مضيفا فكرة أن " أوكرانيا هي ضحية الحرب، والاستهداف هو للصين الصاعدة عبر تحجيم روسيا، وبأن جذور الحرب ليست بجديدة وانما خرجت إلى العلن فجأة ومن دون انذار أو مقدمات، وبأنها أضحت تهدد النظام العالمي برمته، وهي صراع بين الحضارات، وشعور للغرب بتطورات في مجالات العلم والديمقراطية من شأنها اخلال التوازن واضعاف الهيمنة على مدى واسع ".
والعامل المساعد لي على التحليل السياسي هي اللغة الروسية مباشرة، والتي هي لغة السلام والعملية العسكرية الروسية الخاصة، وحتى لغة الحرب من جانب الطرف الأوكراني الذي يمثل العاصمة " كييف " إلى جانب اللغة الأوكرانية، ولغة الغرب المشارك بطريقة غير مباشرة وغير صحيحة وغير مقنعة هي في الغالب هي الروسية والإنجليزية إلى جانب الألمانية والفرنسية، والترجمات حاضرة عبر وسائط ووسائل الأعلام المتعددة، والأهم هنا هو معرفة ومن خلال لجان تقصي حقائق محايدة ومتخصصة من بدأ الحرب ؟، وعندها سيعرف العالم ولن يتفاجأ أبدا بأن روسيا الإتحادية لم تبدأ الحرب فعلا، ولم تكن بحاجة لها، وهكذا هو تاريخها في زمن الإمبراطورة يكاتيرينا الثانية وحرب القرم عام 1718، وعبر غزوة نابليون بونا بارات عام 1812، والحربين العالميتين الأولى والثانية 1914/ 1918 / - 1941 / 1945، ورصدت الثورات البرتقالية الأوكرانية مبكرا منذ عهد الرئيس ليونيد كوجما عام 2007، وانقلاب " كييف" عام 2014 غير الشرعي بالنسبة لها، وتنبهت إلى أن كل ما جرى كان مبرمجا من قبل أمريكا والغرب وعبر أجهزتهم اللوجستية سرا، وكان الهدف الكبير هو اجتثاث الحضور الروسي من وسط الأراضي الأوكرانية من زاوية أهمية ديمومة الحرب الباردة وسباق التسلح واستنزاف روسيا من قبل الغرب مجتمعا، ومحاولة استفزازها عن طريق تقريب حلف( الناتو ) المعادي لها صوبها وبالقرب من حدودها، ويوجد من تمنى لو أن الرئيس الأوكراني المخلوع ( فيكتور يونوكوفيج ) طلب من موسكو مساعدة نظامه بالثبات في موقعه بدلا من أن يطلب التوجه إلى داخل العمق الروسي لاختلفت معادلة الأزمة الروسية - الأوكرانية، ولما حدثت الحرب .
وكما تابعت شخصيا وباللغة الروسية، فإن قرار اعادة اقليم (القرم) عام 2014 لروسيا عبر صناديق الاقتراع وسحب هدية الزعيم نيكيتا خرتشوف، أي (القرم) لأوكرانيا منذ عام 1954 هو بسبب ادارة " كييف " ظهرها بالكامل لها و التوجه للغرب وللناتو، ولسوء استخدامها لاستقلالها عن الاتحاد السوفيتي عام 1991، وللقرم موقع استراتيجي عسكري واقتصادي وسياحي هام لروسيا، وفيه يرسو اسطولهم النووي الهام، وهو ليس الوحيد على مستوى البلاد الروسية العملاقة العظمى، ودخول روسيا إلى أقاليم " الدونباس " بتاريخ 24/ شباط / 2024 عبر صناديق الاقتراع اولا أيضا جاء متأخرا وبقرار جماعي لقصر " الكرملين " الرئاسي بقيادة الرئيس بوتين وبعد الارتكاز على مادة ميثاق الأمم المتحدة رقم (75/1 ) التي خولت روسيا الدفاع عن سيادتها، بعد ثمانية سنوات من قصف " كييف " لهن بهدف ضمهن للسيادة الأوكرانية قسرا، وتسبب ذلك في مقتل وتشريد حوالي 14 الفا من الأكران و الروس، وبعد تضييق الخناق على اللغة الروسية، وعلى الكنيسة، وتوجه لصناعة أكثر من قنبلة نووية، وتهييج المنطقة على شكل ثورة مناهضة للمكون الروسي في أوكرانيا وبهدف اظهار أوكرانيا محررة من روسيا والعمق السوفيتي، واعتبار توجهه أوكرانيا اصلاحي من دون حسبة الوقوع في فخ الغرب الأمريكي الماكر ، وبعد رفض الحوار مع روسيا وبمساعدة الغرب، وبعد تدمير اتفاقية " مينسك " وبالتعاون مع الغرب أيضا، والسماح لأمريكا – هانتر وبايدن نشر مراكزا عديدة بيولوجية لها علاقة مباشرة بجائحة " كورونا – كوفيد 9 " المصنعة، والشروع بالتطاول على جسر القرم، وهو الذي تكرر، والاعتداء على خط الغاز " نورد ستريم 2 "، والتحرش بالحدود الجغرافية الروسية خاصة بمدينة " بلغراد "، واغتيال مراسلين صحفيين روس، وهو ما يتكرر في أرض المعركة وفي العمق الروسي، وتحريك مسيرات من دون طيار فوق العاصمة موسكو وفوق القرم أثبت الروس قدرتهم على التصدي لها .
هل كان بإمكان " كييف " عدم الذهاب إلى الحرب والإصرار على السلام ؟ أقول هنا نعم لو أنها تشابهت في سياستها الخارجية مع بيلاروسيا وكازاخستان مثلا، لكن التيار البنديري الأوكراني المتطرف كان دائما يجذف بعكس السير ويبحث عن القطيعة مع روسيا وينشر كما الغرب خطاب الكراهية، وأجهض اتفاقية " مينسك " والحوار المباشر أيضا، رغم مشاركة دول غربية فيها مثل " المانيا وفرنسا، إلى جانب روسيا وبيلاروسيا، وهل كان بإمكان روسيا عدم الذهاب إلى الحرب أيضا ؟ الواقع على الارض لم يترك مساحة لروسيا للصبر أكثر على ما جرى من أحداث مأساوية لسكان " الدونباس " خاصة بعد امتعاض سكان القرم والتوجه لصناديق الاقتراع، وهل كان بإمكان الغرب أن لا يزج نفسه في حرب ليست حربه بلغت فاتورتها من سلاح ومن مال أسود حوالي 200 مليار دولار من خزينة الغرب في وقت لا يعتبر الروس فيه بأن عمليتهم العسكرية الخاصة حربا ، وبأن الحرب الحقيقية لن تكون الا مع الغرب، وليس مع أوكرانيا، وتحديدا مع حلف " الناتو " اذا ما ذهب اليها طوعا بنفسه، وهي الحرب الثالثة المستحيل توقعها، والتي ستكون مدمرة للبشرية والحضارات، والخط الساخن بينهما عامل ومانع للوقوع بالأخطاء المفاجئة، والغرب يعرف جيدا تفوق القدرات العسكرية النووية الروسية عليه مجتمعا، لكنه طمع ولا زال يطمع في تحقيق جملة من فوائد استمرار الحرب الباردة وسباق التسلح وعبر استنزاف روسيا والصين وكل دولة عالمية ناهضة .
والسؤال العريض الذي يطرح نفسه الان هو إلى أين هي العملية / الحرب الروسية الأوكرانية ومع " الناتو" ذاهبة بعد طول مراقبة لها ؟ لقد صرح الرئيس الروسي فلاديمير بوتين قبل فترة وجيزة في رسالة اعتبرت موجهة لبولندا أوحت بأن تدخلها في الشأن الأوكراني ومعادات روسيا ، يذكره بهدية الزعم السوفيتي جوزيف ستالين الذي قدم الأرض لها في الزمن السوفيتي، وعندما اعتمدت عاصمتها " وارسو " قائدة للحلف السوفيتي العسكري منذ عام 1955، مما يعني بأن العملية / الحرب ستفتح ذراعيها تجاه بولندا خادمة حلف " الناتو " والغرب، ووزير دفاع روسيا سيرجي شايغو
أشار أيضا قبل أيام بأن بولندا ماضية تحشد السلاح الغربي وخاصة الأمريكي لاحتلال غرب أوكرانيا والعاصمة " كييف " لحمايتها من التقدم العسكري الروسي حسب تصورها، ولهذا السبب حرك الجيش الروسي صوب الحدود البولندية للسيطرة على حراك بولندا المراقب عسكريا وأمنيا، وفي المقابل أصبح معروفا بأن قوات " فاغنر " الخاصة توجهت تجاه بيلاروسيا على حدود بولندا ووصلت اليها بعد احباط حراكها الأخير باتجاه العاصمة موسكو، وهو الأمر الذي يؤشر على احتمال فتح جبهة جديدة تكون بولندا شريكة مباشرة فيها .