لا ينفرد الاردن وحده بمشروع اللامركزية, ولا تعود اللامركزية ايضا الى خيارات سياسية وادارية واقتصادية وحسب, ولم تأت اوراق المشاركين الاجانب في اكثر من ورشة ومؤتمر هنا بجديد وهي تحث الاردن على هذا الخيار وتربطه تارة بالحوكمة والحاكمية والحكم الرشيد, وغيرها من مفردات القاموس الامريكي, وتارة بالتنمية, وتارة اخرى لتجنب الوصفات الامريكية عن الدول الفاشلة?
فمشروع اللامركزية مشروع مركب من قراءتين: الاولى تتصل بمجمل المنطقة وما يراد لها من سيناريوهات سياسية تقوم على التفكيك وتحويل الشرق العربي من دول ذات سيادة الى كانتونات ومربعات ومعازل بشرية تحت عنوان عريض هو الشرق اوسطية وفي القلب منه مشروع الكونفدرالية الثلاثية كما يطرحها العدو الصهيوني, كونفدرالية البنيلوكس.
وبهذا, فان مشروع اللامركزية كما مشروع الصوت الواحد ليس بعيدا عن آليات التفكيك المذكورة: تفكيك الدولة (المجتمع السياسي) باللامركزية وضرب القطاع العام, وتفكيك المجتمع المدني (النقابات) عبر المهننة وتفكيك المجتمع عموما (الصوت الواحد).
اما القراءة الثانية, فمستمدة من طبيعة الحقبة الرأسمالية الامريكية التي تقوم اقتصاديا وسياسيا على مركز متماسك واطراف مفككة (ولايات بدون سيادة سياسية), كما تقوم فلسفيا على تعميم وتسويق الفلسفة التفكيكية كما طرحها دريدا: تحطيم كل مركزية من مركزية العقل الى مركزية الدولة والمجتمع.
ولا يبتغي دريدا من وراء ذلك استبدال الطغيان المركزي بالديمقراطية مثلا, فحتى هذه الديمقراطية, مفهوم مركزي عنده يستدعي التفكيك.
وايا كانت خلفية هذا الفيلسوف الامريكي, خلفية يهودية باطنية مسكونة بالثأر من مركزية العالم الذي كان يحيط بالغيتوات اليهودية المهمشة, ام خلفية عدمية, فانه باسم محاربة الايديولوجيا قدم اخطر غطاء ايديولوجي للرأسمالية الامريكية والدولة اليهودية, علامة دريدا الفارقة!.
mwaffaq.mahadin@alarabalyawm.net
(العرب اليوم)