الهوية الاردنية والهوية الخجولة
أ.د. هيثم العقيلي المقابلة
10-08-2023 10:23 PM
الاعلام كان دوما المعبر عن هوية الدولة فكان هنالك إعلام رسمي عليه العمل ضمن حدود الحكومة والمؤسسات باعتباره معبرا دبلوماسيا عنها وكان هنالك إعلام وطني غير رسمي له حدود اوسع وسقوف أعلى تنبع جميعا من ايمانه بالدولة وهويتها وبالتالي كانت مهمته ليس فقط انتقاد التفاصيل والسياسات الداخلية ولكن أن يكون مدافعًا شرسا عن الدولة وهويتها ورؤيتها ومصالحها وقيادتها.
الاعلام الوطني غير الرسمي برأيي كان غائبا خجلا في المحطات العصيبة بل إن من هؤلاء الاعلاميين من أخذ الصف الآخر بحسن أو بسوء نية كما سأذكر لاحقا لمحطات غاب عنها الاعلام الوطني و ألقى المهمة على الاعلام الرسمي المحدد السقوف بالاعراف الدبلوماسية للدولة. بالتالي بقي التعبير عن الهوية الاردنية خجولا و ما زلنا نعاني من هذا الضعف الاعلامي كما سنرى لاحقًا. هذا على الرغم أن الاردن كان ثاني اقدم دولة تأسيسًا في المنطقة (بعد مصر) فالدول وجدت بشكلها الحديث بعد معاهدة وستفاليا لترث التجمعات و المدن و الامبراطوريات لذلك نجد أن أقدم الدول الحديثة في منطقتنا هي مصر و تركيا و ايران و الاردن. ما اعطى الاردن الاهمية ليلعب دورا أكبر من مساحته و مواردة و عدد سكانه هو وجود القيادة الهاشمية و شرعيتها الدينية و التاريخية و القبول لها كقيادة مؤثرة لها احترام في العالم الاسلامية بمختلف طوائفه و مذاهبه. لذلك نجد أن الاردن بعشائره و قيادته الهاشمية كان المحرر للمشرق العربية من الاستعمار العثماني الذي اورث التهميش و التجهيل للمنطقة و بالتالي فإن الاردن و قيادته من أوجد للعرب شعورهم القومي من جديد.
مما سبق كان المتوقع أن يكون هنالك جيش اعلامي ذاتي التشكل ليدافع عن الاردن و قيادته الهاشمية على امتداد العالم العربي و لكن الذي حدث كان مغايرا فمن حررهم الهاشميون من الاستعباد و التنكيل العثماني ثم ساهم في الدفاع عنهم من الاستعمار الاوروبي استغلوا سقف التسامح الاردني الهاشمي إما للاختباء في الاوقات العصيبة و إما للوقوف مع الآخر أو للجحود و النكران. حتى لا اطيل فسأذكر بعض المحطات من منطلق فكري و تأريخي لانني أعتبر أنها ما زالت بانتظار إعلام وطني يعيد اليها اعتبارها و يجلو غموضها للمواطن العادي ليعمق ايمان الانسان بهويته الوطنية الاردنية و انتظر ذلك من الاعلاميين الوطنيين و ليس الرسميين بما عليهم من قيود تفرضها العلاقات الدبلوماسية و مصالح الدولة.
محطة1: عملية إيلات. سوق اعلام اليسار أن اغراق المدمرة ايلات حدث قرب خليج العقبة و ان السلطات الاردنية احتجزت المنفذين و تم انتاج افلام و تصريحات و برامج توجه وعي المواطن العربي و تعمل على تجهيله و كان فيها اساءات للراحل العظيم المغفور له الحسين بن طلال. الحقيقة أن المدمرة إيلات تم تدميرها في البحر المتوسط مقابل ميناء بور سعيد التي تبعد عن اقرب الحدود الاردنية مئات الكيلومترات و بالتالي فانها كانت من اكبر عمليات التزييف التي قام بها الاعلام اليساري و اعاد توجيهها للاساءة للاردن و قيادته و التي غاب عنها الاعلاميون لليوم و تركوا للجهل أن ينخر في العقل الجمعي المصري اولا و العربي ثانيا.
محطة2: حرب 73 و جولدا مائير. روج اعلام اليسار و اليمين و منظمات ايلول أن المغفور له الحسين بن طلال قام بزيارة الى دولة العدو و ابلغ غولدا مائير بحرب 73 قبل موعدها و كان المغفور له بما ملك من أدب هاشمي جم يربأ بخلقه الهاشمي أن يدخل في المهاترات. الحقيقة أن من سرب موعد حرب 73 كان ياسر عرفات و هذا ما قاله الرئيس حسني مبارك و سمعناه جميعا في التسجيلات بعد تنحيه. لكن للاسف ما زال بعض الاعلام الحاقد و بعض مواقع السوشيال ميديا المجهله تعيد الاسطوانة القديمة احيانا. لم تأخذ تصريحات حسني مبارك و توضيحه للحقائق اي تغطية اعلامية وطنية لتبقى ثاني اكبر عملية تزييف و تجهيل اعلامي خبيث ضد الاردن و قيادته.
المحطة3: الملك المؤسس و قرار التقسيم. لقد امتلك بعض السياسون عبر التاريخ رؤية و بصيرة تسبق زمانهم و هذا ما كان للملك المؤسس الذي كان جليا له ان قرار الدول المنتصرة في الحرب العالمية الثانية و اعتراف اكبر قوتين في حينه الاتحاد السوفياتي و الولايات المتحدة و معهم بريطانيا باسرائيل يعني حتمية حدوثه و لذلك توجه للمنطق بان يحصل العرب على ما هو ممكن ثم المطالبة خصوصيا في غياب ليس فقط قوى عربية مؤثرة و لكن ايضا نية و رغبة حقيقية عند اصحاب الارض و الدول العربية للقتال. دفع المؤسس روحه ثمنا لوعيه و بصيرته و واقعيته البعيده عن الزيف و التنظير لنرى مشهد اليوم و العرب و معهم اصحاب الارض الفلسطينين جميعا الكل يستجدي للحصول على أقل بكثير مما قسم لها في قرار التقسيم المحمي امميا.
محطة4: معركة الكرامة و النصر المسروق. كان العدو يهدف لاحتلال اراضي أردنية و تدمير أي جيوب للمقاومة فتصدى له الجيش الاردني الباسل بحرب دروع و دبابات و شجاعة فاجأت العدو خصوصا أنها حدثت بعد هزيمة 67. حمى الجيش الاردني أرضه و وطنه و حمى المقاتلين الفلسطينيين الذين كانوا يحاربوا باسلحة خفيفة لا تقوى على مقابلة دروع او دبابات. المنطق أن يثمن العرب و المقاتلين الفلسطينيين هذا الدور للجيش العربي الاردني و دماء شهدائه الابرار. لكن ما حدث كان االغدر و النكران و التزييف فقد سرق اعلام اليسار العربي و سرق الهاربين من ارض المعركة الى جبال السلط سرق هؤلاء النصر و لم يكتفوا في نسبته الى انفسهم بل امعنوا بالاساءة للاردن و قيادته و جيشه البطل بل و اخذوا يذرعون العالم العربي شرقا و غربا يتحدثون عن بطولات مزيفة يجمعون عليها الاموال العربية و يغررون بالشباب العربي المتحمس لبطولات نسجتها افكارهم و اقلامهم الآثمة و هم الهاربين من أرض المعركة تحت مبرر الانسحاب التكتيكي و وجدوا حاضنة يسارية مهزومة تبحث عن نصر ولا يهمها انه نصر مسروق لابطال الجيش العربي الاردني الذين ارتوت الارض بدمائهم الزكية و قيادتهم الهاشمية التي ترفعت مرة اخرى بادبها الموروث عن الرسول العربي الهاشمي بأن تدخل في مهاترات و فضلت العمل للصالح العربي و قضاياه.
واستكمل في مقال قادم محطات أخرى غاب فيه الاعلام غير الرسمي عن أن يقف مع وطنه و قيادته و هويته و فضل اعلاميون الاختباء او ركوب موجة الاخر حتى لو كانت موجة من الزيف و الكذب و الشعارات الجوفاء. و بقي الاعلام الرسمي ضمن الحدود المفروضة عليه دبلوماسيًا باعتباره ناطقا باسم دولته و حكومته و لا يستطيع الدخول في التزييف و المهاترات و الردح الاعلامي الرخيص.
كل ما سبق و ما سأذكره في محطات قادمة يبين لماذا بقيت الهوية الاردنية خجولة يشعر الاردني بأنه يسئ للاخرين ان تفاخر بها فهو شعب على خلق قيادته التي ورثت ادب آل البيت منذ 1400 عام و ورثت أن تجمع لا أن تفرق و أن تعطي لا أن تأخذ.
دمتم بود